مخطئ مَن يعتقد بأن لا توافق في إسرائيل اليوم، حول رغبة أي كان بتحقيق «السلام المنشود»، بل بات كل المؤثرين في السياسة الإسرائيلية يؤمنون بأن «حل الدولتين» ما هو إلا وهم كما صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولا خلاف أن السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، تهدف إلى إطالة أمد الصراع لإنهاء الوجود الفلسطيني، والقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إن أكبر ضحية بلا منازع لما يسمى «صفقة القرن» وتبعاتها، هم الفلسطينيون، فقد باتوا الجانب الغائب والمغيب في المعادلة برمتها، لكن في واقع الأمر هناك عوامل كثيرة ساهمت بتوالي خسائر الفلسطينيين، سواء أكانت داخلية أم خارجية.
لقد أصبحت القضية المقدسة لدى العالم العربي، بعيدة عن الدعم الذي لازمها طوال الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثانية مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهو ما بدأ يتغير مع التراجع عن مبادرة السلام العربية، بعيداً عن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان، وإقامة الدولة الفلسطينية.
لم يحافظ الفلسطينيون على رصيدهم الشعبي لدى الشعوب العربية، فتراجع التعاطف العربي لمستويات كبيرة، وغابت فلسطين عن الاهتمام والدعم الشعبي العربي وعن الخطاب الإعلامي العربي، الذي ترك شعوراً مبالغاً فيه لدى العرب، بأن فلسطين قادرة على تحرير نفسها بنفسها، وتمتلك من القوة ما يجعلها نداً لإسرائيل.
الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والمعارك الإعلامية المتبادلة بين أكبر فصيلين فلسطينييين، جعل قضية فلسطين تبدو لعبة سلطة على كراسٍ بين طرفين، مع الإصرار على ربط فلسطين بالإسلام السياسي، ما جعلها تبدو وكأنها قضية تخص جماعات دينية محددة، فظهر أن ما يحدث في الساحة الفلسطينية، ليس فقط خلافات وإشكالات بين حركتين مختلفتين أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً فحسب، بل أزمة صعبة ومعقدة، كما أن قرار «المصالحة» ليس قراراً فلسطينياً فلسطينياً أو حتى عربياً فحسب، فثمة أطراف إقليمية ودولية لها «حصة» في هذا القرار، وإن كنا نحن الذين نقرر «حجم» تلك الحصة لو أردنا!
إن ما سبق أثار نفوراً من القضية الفلسطينية، وصل إلى حد إضعاف حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، وتراجعها بشكل مقلق، رغم ما نشهده في الآونة الأخيرة من حراك عالمي لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، والذي تمثله «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل» (بي دي إس)، التي تكاد تكون الضوء المشع الوحيد، مع إيماننا أن ظروفاً عالمية وأوضاعاً شرق أوسطية ساهمت في هذا التراجع، لكن «المفاوضات العبثية» والحالة الفلسطينية الداخلية (من انقسام وتخبط) ساهمتا بقدر كبير في ضعف حركة التضامن العالمية.
كل ما سبق ساهم في أن يدخل نضال الشعب الفلسطيني، وشرعية مقاومته للاحتلال في دائرة التجريم الأممي والإدانة الدولية ووسمها بالإرهاب، ما يعني اتخاذ موقف سلبي من القضية الفلسطينية، القائمة أصلاً على حقيقة وواقع الاحتلال الإسرائيلي، وحق الشعب الفلسطيني أولاً في الدفاع الشرعي عن نفسه أمام احتلال مباشر، وثانياً في حقه في مقاومته بكافة الطرق المشروعة.