ليس غريباً أن تطلق دولة الإمارات العربية المتحدة مسباراً يغزو الفضاء ليصل إلى كوكب المريخ ويكتشفه عن كثب، وهي لحظة إلهام بالغة الأهمية في هذه المرحلة الحالية، حيث تمر العديد من الدول العربية بتحولات سلبية غير معتادة، سواء بفعل التدخلات الدولية أو الإقليمية أو بسبب الصراعات المحلية والمناكفات الطائفية والمذهبية التي أذكتها الأيادي الخارجية، فطغت على الهويات الوطنية لبعض الدول، وأضعفت تماسكها الداخلي، وسلبتها سيادتها لتنكفئ على الداخل وعلى أجندات الآخرين.
إن وضع العالم العربي اليوم ليس على ما يرام، وما كانت تطمح له الشعوب العربية من آمال وتطلعات للتضامن والتآخي والتنمية وتقوية اللحمة الداخلية ضد أي عدوان خارجي أو أطماع أجنبية في المنطقة، أصبح أبعد منالاً من ذي قبل، حيث أصبح «الذيب بالقليب»، كما يقال في لهجة أهل الخليج وبادية الجزيرة العربية! فقد تشظت رقعة الجغرافيا العربية بفعل التدخلات الخارجية واستثمارها في الحس الطائفي الذي طغى على الحس الوطني والقومي وحتى الإنساني، وأصبح ولاء بعض الجماعات والتنظيمات ولاءً عابراً للحدود، وهو خطر اُبتليت به الدول العربية في هذا الزمن المتشعب والمعقد والمرتبك، في غياب مشروع عربي يضمن تماسك الأمة، ويرسم لها خريطة طريق تحميها من الأخطار المحدقة.
نتحدث اليوم عن إنجاز عربي كبير ومهم، عن الأمل الجديد الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الوقت، أي «مسبار الأمل» (2020) الذي أرسلته دولة الإمارات باتجاه كوكب المريخ، وكان حلماً يراودها منذ أن تأسست على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وها قد تحقق الحلم بفضل ما امتلكته قيادة الدولة من همة وصبر وحنكة، وما اتصف به مجتمعها من وفاء لقيادته، هذه القيادة التي عودت الإمارات والعالم دائماً على التميز والإبداع واستشراف المستقبل والعمل المتواصل الذي يسابق الزمن. لقد عودتنا دولة الإمارات باستمرار على إطلاق المبادرات المذهلة والمفرحة في مفاجآت سارة وملهمة ومحفزة على النهوض والابتكار والتفرد. ومبادرة إطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ لتنفيذ العديد من المهمات العلمية، إنجاز فضائي تقني ومعرفي مذهل، يأتي في وقت يتهدد فيه الانكماش والتراجع والتفكك بعض بلدان العالم العربي، بينما يواجه العالم ككل، باقتصاداته المتقدمة ونظمه الصحية المتطورة، تحدياً جديداً متمثلاً في جائحة فيروس كورونا التي حطمت الكثير من المشاريع، وأعاقت وأحبطت ما لا ينتهي من الأفكار والمبادرات بعد أن شلت حركة العالم كله تقريباً.
وفي الوقت الذي خيمت فيه على العالم كآبة أجواء الحجر الصحي، كانت الإمارات تطلق هذه المبادرة المذهلة والسارة، من يباب الصحراء العربية إلى كوكب المريخ، لتدهش العالم وتبهره بهذا الإنجاز العملاق في مضمار التنافس العلمي والتقني. وسوف يعبر المسبار 493 مليون كيلو متر خلال 7 أشهر متواصلة بإذن الله تعالى، وذلك بهمة وسواعد علماء الإمارات وخبرائها، وهي رسالة جديرة بالمتابعة والتأمل، لاسيما لجهة كونها تعيد للعرب تطلعاتهم نحو دخول المستقبل والإسهام في البحوث والدراسات الفضائية، وتبث في نفوسهم الروح من جديد عبر إظهار حقيقة أن هناك رجالاً ما زال لديهم طموح وآمال لا سقف لها إلا السماء!