كانت شبه القارة الهندية ألمع جوهرة في التاج البريطاني. وباعتبارها أكبر أراضيها المستعمرة، كانت الأهم من بين كل ممتلكات الإمبراطورية البريطانية الواقعة وراء البحار. وعلى الرغم من معارضة تشرشل القوية لمنح الهند الاستقلال، خلال النقاش حول استقلال الهند في البرلمان البريطاني في 1947، إلا أن «قانون الاستقلال» مُرر في نهاية المطاف وحصلت شبه القارة على استقلالها من الحكم البريطاني. غير أنه عندما غادر البريطانيون شبه القارة، تركوا وراءهم عددا من المشاكل دون حل، ولا سيما ما يتعلق منها بحدود الهند مع البلدان المجاورة لها.
ومنذ ذلك التاريخ، يوجد بين الهند والصين نزاع حدودي طويل ظل من منغّصات علاقاتهما الثنائية منذ أكثر من ستين عاما، نزاع ينفجر أحيانا ويصعد إلى الواجهة من جديد. وهذا ما حدث من جديد على خط السيطرة قبل شهرين عندما انخرط جنود البلدين في اشتباك مباشر في عدد من النقاط على «خط السيطرة الفعلية»، الذي يقوم مقام الحدود الفعلية بين البلدين. ولكن التوتر الذي دام نحو شهرين سوّي تدريجيا؛ حيث شرع جنود البلدين في الانسحاب عبر إزالة الخيام والعتاد بعد أن وافقا على مواصلة عملية وقف الاشتباك بالتوازي مع تواصل المحادثات على المستويين العسكري والدبلوماسي. وبدأ وقف الاشتباك والانسحاب بعد يوم على إجراء مستشار الأمن الوطني الهندي ووزير الشؤون الخارجية الصيني حوارا طويلا على الهاتف حول التطورات الأخيرة في المناطق الحدودية. والرجلان هما الممثلان الخاصان لبلديهما على التوالي والمكلفان بمناقشة الخلافات الحدودية.
ومما لا شك فيه أن تخفيف التصعيد واستعادة السلام والهدوء في هذا الظرف الذي يواجه فيه العالم الوباء الفتاك وتُفقد فيه آلاف الأرواح البشرية، كانا ضروريين جدا من أجل تجنب أي كارثة أخرى. القرار الحكيم للدولتين النوويتين بشأن تخفيف التصعيد تدريجيا في المناطق الحدودية، واتفاقهما على مواصلة المحادثات على المستويين العسكري والدبلوماسي، كانا محل ترحيب من قبل شعبي البلدين وسمحا للمجتمع الدولي أيضا بتنفس الصعداء وسط وباء كوفيد 19.
بين الصين والهند توجد علاقات اقتصادية مزدهرة بلغ فيها حجم التجارة البينية 92.68 مليار دولار في 2019. غير أن التوتر هذه المرة كان الأسوأ منذ عقود، حيث استوجب عدة جولات من المحادثات العسكرية والدبلوماسية، بما في ذلك على مستوى وزيري الخارجية.
في هذه المرحلة، نجح البلدان في كبح الخلاف الحدودي. وسيتعين عليهما الآن التركيز على إعادة علاقاتهما إلى سكتها. ولا شك أن التطور الحالي يؤشر إلى أمل في أن البلدين يستطيعان حل أي مشكلة بينهما من خلال الحوار.
النزاع الحدودي الحالي لم يعمل إلا على تقوية أهمية الحوار بين الجارين الممتلكين للسلاح النووي. ومثلما حُل النزاع الحدودي الحالي بواسطة الحوار من قبل، فلا شك أن مثل هذه المحاولات يمكن أن تستمر على عدة مستويات لاستغلال التقدم الحالي باعتباره فرصة لحل المشكلة الحدودية الآن.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي