منذ أيامها الأولى في السلطة في يناير 2017، اتخذت إدارة ترامب عدداً من الخطوات الدراماتيكية التي تلغي قوانين كانت تفرض قيوداً على التلوث وغيره من الأنشطة التي تُعتبر مضرة بالبيئة مثل استخراج الفحم. وفي هذا السياق، أدخل رئيسَا «وكالة حماية البيئة» ووزارة الداخلية المعينان حديثاً توجيهات تتحدى الاعتقاد السائد بشأن أخطار ارتفاع حرارة الأرض. وبشكل متزايد، تم تجاهل موظفي الدعم التحليلي والعلمي في هاتين الوكالتين، ومنعهم من نشر مواد تلفت الانتباه إلى أي أنشطة تهدد البيئة. وفي نوفمبر 2019، أخطرت إدارة ترامب منظمة الأمم المتحدة باعتزام الولايات المتحدة الانسحاب رسمياً من اتفاق باريس للمناخ لعام 2016.
وقد بلغت معاداة الإدارة الأميركية الحالية للعلم وللمدافعين عنه أوجها مع بداية وباء كوفيد-19 في مطلع 2020، حين أخذت معظم البلدان تحذيرات الخبراء على محمل الجد، وهي تحذيرات كانت تذهب إلى أن أفضل طريقة لاحتواء الفيروس تتمثل في إغلاق المناطق المصابة بشكل جدي، وعدم فتح اقتصاداتها إلا بعد أن تستوفي عدداً من الشروط المهمة. وبالمقابل، اتخذت العديد من الولايات الأميركية موقفاً أكثر تحدياً إزاء بروتوكولات الإغلاق وإعادة الفتح. إذ دعم حكام ولايات مهمة، يسيطر عليها «الجمهوريون»، مثل جورجيا وفلوريدا وتكساس، جهود إدارة ترامب العلنية جداً لإنهاء الإغلاقات وفتح اقتصاداتها في وجه معظم الأنشطة. ولهذه الغاية، سمحت عدد من الولايات للشواطئ والأسواق والمطاعم بفتح أبوابها أمام الزوار، ولم تبذل أي جهد لفرض احترام إجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات. وأظهرت العديد من الفيديوهات لشواطئ مكتظة انفلاتاً وتخلياً كاملاً عن القيود الصحية، وهو ما يعتبر شيئاً خطيراً من قبل معظم أعضاء المجتمعَين الطبي والعلمي.
وما حدث بعد ذلك كان شيئاً حتمياً ولا مناص منه، إذ سرعان ما انتشرت حالات جديدة للإصابة بالفيروس، وارتفع منحى الإصابات إلى مستوى قياسي جديد، حيث سجلت ولاية فلوريدا مثلاً أكثر من 15 ألف حالة جديدة يوم الحادي عشر من يوليو الجاري. ومن الولايات الأخرى التي شهدت تفشياً جديداً للفيروس هناك كاليفورنيا وتكساس وأريزونا. ونتيجة لذلك، تظل الولايات المتحدة البلد صاحب المستويات الأعلى من حالات الإصابة بكوفيد-19 والأرقام الأعلى للوفيات.
وتتزامن تلك الإحصايات مع نزاع جد علني بين البيت الأبيض وأبرز خبير أوبئة في البلاد، وهو الدكتور أنتوني فاوتشي مدير «المعهد الوطني لأمراض الحساسية والأمراض المعدية». فعندما أصبح كوفيد-19 أزمة في الولايات المتحدة لأول مرة في مارس الماضي، كان فاوتشي أحد المسؤولين الحكوميين الذين أصبحوا جزءاً من فريق البيت الأبيض المكلف بنصح الجمهور وإعلامه بخصوص طبيعة مرض كوفيد-19 وأخطاره. وفي البداية، كان ترامب، الذي واظب على حضور الكثير من الإحاطات التلفزيونية اليومية، يكن الاحترام والتوقير لفاوتشي، وكان يتبع نصائحه. لكن مع مرور الأسابيع، ملّ ترامب من تلك الإحاطات الإعلامية اليومية التي كان يهيمن عليها ويهاجم خلالها الصحافة، ثم انتابه الغضب لأن فاوتشي كان يعطي مقابلات صحفية تتعارض مع جهود ترامب نفسه الرامية إلى التقليل من شأن مخاطر الفيروس. وهكذا توقفت الإحاطات الإعلامية اليومية ولم يعد فاوتشي يُدعى إلى البيت الأبيض. وبينما كانت حالات إصابة جديدة بالفيروس تتفشى في البلاد، وكان فاوتشي وكل المختصين الطبيين الآخرين يحذرون من مخاطر إعادة فتح الاقتصاد بشكل مبكر، أضحى غضب ترامب من فاوتشي علنياً جداً، وخاصة بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن 67 في المئة من الجمهور يثقون في فاوتشي مقابل 26 في المئة فقط يصدقون ترامب.
وفي يومي الحادي عشر والثاني عشر من يوليو الجاري، سرّب موظفون بالبيت الأبيض إلى الصحافيين قائمة بأخطاء ارتكبها فاوتشي على مدى الشهور بخصوص النصائح التي كان يقدمها بشأن الكيفية التي ينبغي التعاطي بها مع الفيروس. بيد أن هذا الجهد مثّل خطأ فادحاً لأنه أرغم ترامب إما على محاولة إقالة فاوتشي، أو الاعتراف بأنه يدعمه على الرغم من وجود اختلافات في الرأي بينهما، لكن على نحو حكيم، اختار ترامب الخيار الأخير بعد أن أدرك أن حملة ضد خبير الأمراض المعدية الأكثر احتراماً في الولايات المتحدة ستكون خطوة غير حكيمة سياسياً. ذلك أن أغلبية الأميركيين تؤكد أن العلم يجب أن يتفوق على السياسة عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الأرواح والسيطرة على الوباء.