كتاب مستشار الرئيس الأميركي السابق جون بولتون، الذي صدر الشهر الماضي، وكتاب ابنة شقيقه ماري (الذي يفترض أنه صدر أمس)، هما الأحدث في مجال نقد دونالد ترامب، ويُضاف الكتابان إلى لائحة تضم حتى الآن أكثر من عشرة كتب في هذا المجال، خلال نحو ثلاثة أعوام.
ليس صعباً إدراك أن هدف الكتابين هو الانتقام من ترامب، كما توضح إطلالة سريعة على كتاب بولتون «الغرفة التي شهدت الأحداث، وعلى ما ورد في إعلانات ترويج يتضمن بعضها ملخصات لكتاب ماري ترامب بعنوانه الطويل: «كثيراً جداً ولا يكفي.. كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم».
لا تخلو دوافع بولتون الانتقامية من بُعد سياسي، رغم أن الثأر الشخصي ظاهر فيه، بينما يبدو هذا الثأر دافعاً أساسياً لابنة شقيقه، وربما الدافع الوحيد لإصدار كتابها، ومع ذلك، يحتفل خصوم ترامب بكتاب بولتون، رغم إدراكهم أن هدفه الوحيد هو الانتقام من الرئيس الذي أقصاه من منصب مستشار الأمن القومي، بعد أن ازدادت الخلافات بينهما، وربما يدركون أن بولتون أخطر على المبادئ التي يُفترض أنهم يؤمنون بها، أو على الأقل يجهرون بها أمام الناس، لكنهم يتغاضون عن هذا كله، وغيره، لاعتقادهم أن هجوماً ضارياً على ترامب يمكن أن يفيدهم في الانتخابات الرئاسية.
ربما يراهن خصوم ترامب «الديمقراطيون» وغيرهم، على أن يُحدِث كتاب بولتون أثراً في اتجاهات الأميركيين المترددين، الذين لم يحسموا اختيارهم في الانتخابات الرئاسية. ولكن ذاكرة هؤلاء الأميركيين ما زالت تختزن وقائع مديح بولتون لترامب، وثناءه عليه، عقب تعيينه مستشاراً للأمن القومي في 22 مارس 2018، ويعرفون أن بولتون ناقم بشدة لأنه لم يُعين وزيراً للخارجية، بل ترك منصبه بطريقة لا تخلو من إهانة، إذ كتب ترامب على موقع «تويتر»، أنه أبلغ مستشاره للأمن القومي بالاستغناء عن خدماته، ولعلهم يذكرون أيضاً أن هذه التغريدة أوجعت بولتون، الذي أسرع في حينه إلى تكذيب ترامب، وقال إنه هو الذي طلب الاستقالة.
ورغم حدة الهجوم الذي يشنه بولتون على ترامب، ليس متوقعاً أن يُحدث كتابُه أثراً يُعتد به في اتجاهات الناخبين الذين لم يحسموا اختيارهم بعد، خاصة أن الكتاب لا يتضمن كشفاً جديداً يستحق الاهتمام من الخارجية الأميركية، ولا يثبت ما يسعى مؤلفه إلى تأكيده، وهو أن ترامب لا يصلح رئيساً للولايات المتحدة!
أما كتاب ماري ترامب، فربما يصلح لعمل سينمائي من نوع الميلودراما، وفق ما يمكن استنتاجه من الطريقة التي استخدمها الناشر، «دارسيمون وشوستر» في ترويجه، فمن بين ما ورد في الإعلانات الترويجية لهذا الكتاب، على سبيل المثال، أن الكاتبة تروي خفايا وأجواء عائلة مسمومة، وتصف صدمات وعلاقات مدمرة، وخليطاً مأساوياً من الإهمال والإساءة.
مؤكد أن الكتاب سيتضمن وقائع حقيقية تسيء إلى الرئيس الأميركي، ضمن الحملات الواسعة التي تتصاعد ضده، كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر المقبل. لكن هذه الوقائع لن تُروى كلها كما حدثت في الواقع، بل سيُبالغ في بعضها، وسيُضاف إلى بعض آخر منها ما يجعله أكثر إثارة، وسيُخلط بعض ثالث مع قصص من وحي الخيال. وقد حدث مثل ذلك في معظم الكتب التي أُصدرت في الهجوم على ترامب وهجائه.
ينطلق الكتاب، وفق ما نفهمه مما ورد في إعلانات ترويجية أعدها ناشره، وأخرى في موقع أمازون، من اتهام الرئيس الأميركي بأنه تلاعب في وصية والده (جد المؤلفة)، لتقليل حصة أبناء شقيقه من التركة، وليس معروفاً كيف ستروي المؤلفةُ قصة تسوية النزاع على هذه التركة عام 2001 إثر نزاع قضائي، وربما تكون طريقة روايتها قصة هذه التسوية واحدة من مفارقات يُتوقع أن يحفل بها كتابها.
غير أنه لا ترامب أخطر رجل في العالم، ولا يوجد أصلاً مَن يمكن أن نعده الأخطر، ففي كل مرحلة عدد من الرجال الخطرين الذين يتسببون في خلق أزمات أو مفاقمتها، وتصعيد التوتر في قضايا مختلفة، كما أن ما حدث في غرفة البيت الأبيض، وبذل بولتون جهداً في تقديم صورة مظلمة له، لا يتضمن ما يدفع بعض أنصار ترامب إلى التخلي عنه، أو إقناع كثير من المترددين بالاقتراع لمنافسه جو بايدن.