أثنى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، على التحرك الدبلوماسي النشط الذي يقوده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع عواصم القرار العالمي، دعماً لموقف الأردن من خطة الضم الإسرائيلية. وكان الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، قد أعرب عن بالغ قلقه ورفضه لما تضمنه برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من خطط وإجراءات لضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية.
وعلى المستوى العربي، كان التحرك فعّالاً في التصدي لضم أجزاء من الضفة الغربية، حيث عملت الإمارات بجد إلى جانب شقيقاتها من دول الخليج (وفي مقدمتها السعودية)، إلى جانب مصر. وقد أثمرت التحركات عن تجاوب إيجابي من جانب المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، فعدلت إسرائيل عن تهديدها بالضم. وقد تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السبت 4 يوليو الجاري، عن قراره حول ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقال: إن «هذا الأمر سيتم ضمن تسوية سياسية». تراجع نتنياهو ووضعُه العصي في الدرج، يعود لأسباب خارجية وداخلية. ففي الداخل، عبّر عسكريون كبار عن معارضتهم، قائلين: إن «تنفيذ هذه الوعود الانتخابية لنتنياهو، بضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، يحمل خطراً شديداً على الأمن القومي، دون مبرر». رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، «عاموس يدلين»، قال: «إنها خطوة مناهضة للصهيونية، وستمنع في المستقبل أي إمكانية للانفصال عن الفلسطينيين والحفاظ على إسرائيل، كدولة يهودية ديمقراطية، آمنة وأخلاقية».
وتزايدت الضغوط الداخلية في أميركا على إدارة الرئيس ترامب، للتدخل وثني حكومة إسرائيل عن نيتها الضم. وهناك أعضاء بارزون في الجالية اليهودية أعربوا عن معارضتهم للضم، فيما انطلقت حملة لتوقيع عريضة جديدة من داخل الكونغرس، موجهة لوزير الخارجية مايك بومبيو، يحذّر موقعوها من أن الضم سيحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري.
كذلك أعرب الجانب الأوروبي عن معارضته لخطوة الضم، حيث صرح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بهذا المعنى، وكذلك وزير خارجية فرنسا جان إيف لدوريان، الذي أشار إلى تنسيق بشأنه مع الشركاء الأوروبيين.
فلسطينياً، كشف صائب عريقات عن اجتماع وزاري عربي لبحث مخطط «الضم» الإسرائيلي، وقال: إن الرئيس محمود عباس أكد في رسائل وجهها إلى كل دول العالم، أنه في حال تم «الضم»، فستكون السلطة الوطنية الفلسطينية في حِل من كل الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وأميركا، وأنه دعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام.
ورغم خطورة الضم وتراجع المبادرات السياسية إلى أدنى مستوى لها، فإن خيارات الفلسطينيين العاقلة والمحسوبة، توفر المقومات الضرورية للتقدم في معركة سياسية يبدو مناخها الدولي ملائماً للقبول بالتفاوض، بفعل كثافة الإدانات لعملية الضم، بعد أن تغيرت البيئة الدولية للنزاعات، منذ وعد بلفور وحتى الآن، وبعد أن اتضح بأن المراهنة على تغير الموازين لم تجد نفعاً، إذ ظلت إسرائيل متفوقةً سياسياً وعسكرياً.
وعليه فلا مندوحة عن التسليم بأن عسكرة القضية لم تعد قائمة، وأن صواريخ «حماس» لا تحسب في الميزان العسكري؛ إذ لا هدف لها سوى محاولة رفع أسهم الحركة عند نزولها، مؤديةً ذلك «الخُمس» للإمام، وآخذةً مقابله صاعين خشنين من القصف الإسرائيلي ضد المدنيين الآمنين في قطاع غزة! فقط بغرض تجديد صلاحيتها كـ«مقاومة حاكمة»!
الفلسطينيون يعرفون أن كل أرضهم تحت الاحتلال منذ أكثر من نصف قرن، وأنهم لن يخسروا شيئاً في التفاوض، وأن الامتناع عنه يعطي إسرائيل فرصة لتصفية القضية، ولتحويل اللاجئين المؤقتين إلى مواطنين دائمين في بلدان تواجدهم.
إن تأخير المفاوضات يؤثر على مستقبل القضية، لذا فعلى الفلسطينيين الذهاب للمفاوضات، متسلحين بالحق، واثقين من الانتصار بلا انقسام ولا مزايدات.
التجارب أوضحت أنه لا يمكن للفلسطينيين الاستمرار على العقلية السابقة، وأن المطلوب حالياً، هو ترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة وطنية مستقلة، والشروع في البناء الداخلي سياسياً وعمرانياً، ما يشجع الشعب على الالتفاف حول قيادته، بعيداً عن التدخلات الخارجية، وضماناً لاستقلال مسيرته التفاوضية المقبلة.
إسرائيل لن تغامر بمسألتين؛ القضاء على عملية التسوية السياسية برمتها من خلال القيام بضم الضفة الغربية، وتحمل مسؤولية الضفة وسكانها البالغ عددهم 2.7 مليون فلسطيني سيشكلون عبئاً أمنياً واقتصادياً وسياسياً. لكن عليها أن تفهم، أن القفزات السريعة لن تخدم مستقبلها في المنطقة، وأن القوة وحدها ليست كفيلةً بإبقائها دولةً مستقرة وآمنةً بجانب جيرانها، فالفلسطينيون أصبحوا رقماً صعباً لا يمكن تجاهله.