في محاولة لطمأنة الجمهور بشأن ارتفاع أعداد حالات «كوفيد-19» في عدة ولايات أميركية، يواصل الرئيس دونالد ترامب عزو الحالات الجديدة إلى تحسن الاختبارات في الولايات المتحدة. وخلال اجتماعه يوم السبت الماضي، وصف الاختبارات بأنها «سلاح ذو حدين». وقال إنه عندما يتم إجراء اختبار لـ25 مليون أميركي –كما فعلت الولايات المتحدة –«ستجد مزيداً من الحالات». ولأن هذا يؤدي إلى أنباء سيئة، قال إنه حث المسؤولين على إبطاء وتيرة إجراء الاختبارات.
وفي الماضي، ذهب الرئيس أبعد من ذلك قائلا: «إذا أوقفنا الاختبارات الآن، فلن يكون لدينا سوى حالات قليلة جداً». وردد نائب الرئيس مايك بينس مشاعر ترامب، حيث قام مؤخراً بحث الحكام على الاستشهاد بزيادة الاختبارات كسبب على أي ارتفاع في عدد الحالات فيما هم «يشجعون الناس بأخبار مفادها أننا سنعيد فتح البلاد بأمان».
من الواضح أن هذه النسخة الخاصة من الحجة لا معنى لها: إذا توقفنا عن اختبارات السرطان، فإن تشخيص السرطان سيختفي أيضاً، رغم أن انتشار السرطان بين السكان سيظل كما هو. لكن من الناحية النظرية، ربما تكون النسخة الأكثر اعتدالا صحيحة: عندما نختبر المزيد من الأشخاص، قد نرى المزيد من نتائج الاختبارات (أي الحالات) الإيجابية. إن الزيادة في الحالات ربما لا تعني بالضرورة أن الفيروس ينتشر بقوة، بل بالأحرى يمكن أن تكون أداة لزيادة المراقبة.
لكن بإلقاء نظرة فاحصة على حالة الاختبار في الولايات المتحدة، يظهر أن هذه النظرية خاطئة بشكل خطير. ولفهم السبب، علينا ألا ننظر فقط إلى عدد الاختبارات التي تجريها كل ولاية، بل أيضاً إلى معدل إيجابية تلك الاختبارات. وهذان المقياسان معاً يعطيان إحساساً بما إذا كانت العدوى في ارتفاع أم تناقص أم ثبات. وفي العديد من الولايات، تكون الإجابة المثبطة هي أن الفيروس يسبق إجراءات الصحة العامة التي يتم اتخاذها لاحتوائه.
صحيح أن الولايات المتحدة توسعت بشكل كبير في إجراء اختبارات كوفيد-19. وحالياً يتم إجراء أكثر من 400,000 اختبار يوميا في البلاد، مقارنة بأقل من 20,000 اختبار يومياً في بداية مارس الماضي. وكما تفاخر ترامب، فقد أجرت الولايات المتحدة اختبارات كوفيد-19 أكثر من أي بلد آخر. والسبب الرئيسي الذي يجعلنا نجري اختبارات أكثر من الدول الأخرى هو بالطبع أن لدينا أكبر جائحة في العالم. والغرض الرئيسي من إجراء الاختبارات هو معرفة مَن يجب عزله، لمنع مزيد من الانتشار. ويمكن أن تساعدنا الاختبارات أيضاً في معرفة ما إذا كانت مثل هذه الإجراءات ناجحة. والسبيل لمعرفة ما إذا كان الارتفاع في الحالات يشير إلى زيادة الانتشار بين السكان –وليس نتاجاً ثانوياً لإجراء المزيد من الاختبارات– هو من خلال معرفة عدد الاختبارات التي تحدد العدوى.
ولفهم هذه الديناميكية، يمكننا التفكير في حالة نيويورك. ففي بداية أبريل الماضي، عندما تم تحديد عدد الاختبارات بحوالي 20,000 اختبار يومياً، بلغت ذروة النتائج الإيجابية 50%. لا أحد يعتقد أن نحو نصف سكان الولاية مصابون بالفيروس في ذلك الوقت، لذا فإن هذه النتائج تعني ضمناً أن الاختبار كان يركز بشكل مفرط على مجموعة فرعية من السكان المرجح إصابتهم. وفي الواقع، كان مسؤولو الصحة يقصرون الاختبارات على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى. أما الآن فيتم إجراء ما يزيد عن 50,000 اختبار يومياً في نيويورك ونسبة الإيجابية أقل من 2%. وقد انخفضت أعداد الحالات بشكل كبير منذ أبريل وحتى الآن من أكثر من 10,000 حالة يومياً إلى حوالي 700 يومياً، رغم أن الولاية تطرح الآن شبكةً أوسع للبحث عن حالات الإصابة. ويتم إجراء الاختبارات على الأشخاص الذين يعانون من أعراض عدوى أكثر اعتدالا، لكنها قد تكون من أعراض كوفيد-19، وقد يكون سببها أيضا حالات أخرى.
هذا هو النمط الذي يرغب مسؤولو الصحة في رؤيته في الاختبار، لكنه ليس النمط السائد في جميع أنحاء الولايات المتحدة. فما هو مستوى إيجابية الاختبار المناسب؟ توصي منظمة الصحة العالمية بأنه يتعين على الدول التي تسعى إلى رفع قيود التباعد الاجتماعي أن تجري ما يكفي من الاختبارات للحفاظ على إيجابية الاختبار عند أقل من 5%. ويستند هذا الهدف إلى تجربة البلدان التي انخفضت أعداد الحالات بها وأوقفت انتشار الفيروس إلى حد كبير. فهناك عدد كبير من البلدان، مثل كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا حافظت على نسبة النتائج الإيجابية لديها عند 2% أو أقل. وتظهر مثل هذه التجارب أن معدلات الإيجابية المنخفضة للغاية تعد معيارا مهما لقياس التقدم المحرز ضد الوباء.
لقد انخفضت إيجابية الاختبار بشكل عام في الولايات المتحدة بشكل كبير. وفي جميع أنحاء البلاد، تقل نسبة إيجابية الاختبار حاليا عن 5%، مقابل 21% في أول أبريل. وهذه علامة جيدة بشكل عام. ومع ذلك فإن أكثر من 20 ولاية، معظمها في الجنوب والغرب الأوسط، لا تزال لديها معدلات إيجابية أعلى من 5%، من بينها أريزونا (17%) وألاباما (12%) وفلوريدا (10%) وتكساس (9%) وجورجيا (8%).
وفي الأسبوع الماضي، زادت حالات الإصابة الجديدة في حوالي نصف الولايات. (وعلى الصعيد الوطني، تحدث حوالي 20,000 إصابة في المتوسط يومياً منذ بداية يونيو).
وباختصار، لا يمثل الاختبار عقبة أمام هدف ترامب بإعادة فتح الاقتصاد. إنه أحد الأدوات التي ستسمح لنا بالسيطرة على انتشار المرض، للحفاظ على سلامة الناس وثقتهم عندما يبدأون في الخروج من منازلهم. إن تجاهل البيانات ليس استراتيجية جادة؛ إنه تهديد للصحة والاقتصاد.
*اختصاصية الأوبئة في مركز الأمن الصحي التابع لكلية جونز هوبكنز للصحة العامة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»