يتجه العالم دون أن يدري نحو فترة خالية من الحد من الأسلحة النووية، حيث من المقرر أن تنتهي «معاهدة ستارت الجديدة»، آخر معاهدة متبقية للأسلحة النووية، في شهر فبراير المقبل. هذا الأفق المظلم يقترب منذ فترة طويلة، لكن الإرادة السياسية لتفاديه قد انهارت. فقد أمضى ترامب فترته في البيت الأبيض في الانسحاب من معاهدات الحد من التسلح - كان آخرها معاهدة الأجواء المفتوحة الشهر الماضي - ولا يبدي اهتماماً يذكر بتمديد «معاهدة ستارت الجديدة». ولم تتمكن روسيا من اجتذاب الولايات المتحدة للعودة إلى طاولة المفاوضات، بالرغم من الرغبة في استمرار العملية.
والآن، تبدو القوى النووية الكبرى على استعداد للانزلاق مرة أخرى في الفوضى الاستراتيجية التي كانت سائدة في أوائل الستينيات، قبل أن تركز أزمة الصواريخ الكوبية عقول القادة الأميركيين والسوفييت المروعين وتقودهم إلى الشروع في جهد متعدد الأجيال لبناء ما أصبح نظاماً شاملاً للحد من الأسلحة النووية.
تقول «ألكسندرا بيل»، مديرة السياسات في «مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار» في واشنطن: في أوائل الستينيات «مشينا إلى حافة الهاوية مع أزمة الصواريخ الكوبية. وبعد ذلك، عدنا إلى الوراء وبدأنا في التفاوض. وفي وقت لاحق، كنا محظوظين أن نجونا من ذلك في المرة الأولى. ومنحنا الحد من التسلح حاجز أمان ضد الفوضى. وسيكون من السيئ حقاً إذا لم يكن لدينا لأول مرة منذ 50 عاماً أي نظرة ثاقبة على أرض الواقع للقوات العسكرية لبعضنا بعضاً».
فلم تجلب صحوة أزمة الصواريخ الكوبية قيوداً على أعداد وأنواع الأسلحة الجديدة التي كانت تتطور فحسب، بل قللت أيضاً من التوترات من خلال تدابير بناء الثقة، وقنوات الاتصال المنتظم، وآليات التحقق الموثوقة.
وأضاف العديد من الرؤساء الأميركيين مساهماتهم الخاصة في شبكة الاتفاقات. منذ عقد من الزمان، وقع باراك أوباما «معاهد ستارت الجديدة»، الصفقة التي قامت بأكبر تخفيضات على الإطلاق للترسانات النووية الاستراتيجية، مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف.
لكن الصرح الذي أقامه قادة الحرب الباردة بدأ يتدهور تدريجياً منذ أن سحب جورج دبليو بوش الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972، والتي كانت بمثابة حجر الزاوية للنظام برمته من خلال وضع حدود صارمة على الأنظمة الدفاعية. وقد كفل هذا الردع المطلق المتبادل في شكل الدمار المتبادل المؤكد (MAD)، مما جعل فكرة الحرب النووية نفسها لا يمكن التفكير فيها.
ولكن الأمور أصبحت واهية منذ ذلك الحين، على الرغم من أن خبراء الحد من التسلح من الجانبين كانوا يصرون حتى وقت قريب على أن النظام قد يتم إحياؤه إذا أراد القادة ذلك. لكن إدارة ترامب، التي يبدو أنها تنفر من أي قيود على القوة الأميركية، دفنت الفكرة بأكملها من خلال تمزيق عدد قليل جداً من المعاهدات الدولية. وعلى وجه التحديد، انسحبت الإدارة مؤخراً من معاهدة القوى النووية المتوسطة لعام 1987، التي حظرت فئة كاملة من الصواريخ النووية وأطلق عليها «المعاهدة التي أنهت الحرب الباردة».
وفي مايو، أعلن ترامب انسحاب بلاده من معاهدة الأجواء المفتوحة، التي وقعتها 34 دولة عام 2002، والتي تدعم الحد من السلاح من السماح للدول بالتحليق فوق أراضي بعضها بعضاً عند الضرورة. واشتكى معظم حلفاء الولايات المتحدة من أن تركها سيكون بمثابة عمل مزعزع للاستقرار. وفي فبراير 2021، ستنتهي معاهدة ستارت الجديدة التي تسمح بإجراء 18 عملية تفتيش للمواقع النووية سنوياً، دون أي إشارة من الجانبين لتمديدها.
تقول إدارة ترامب، إن الانتهاكات الروسية المزعومة جعلت الاتفاقات القديمة غير قابلة للتطبيق، وأن لاعبين جدداً مثل الصين أصبحوا قوى نووية استراتيجية كاملة تحتاج إلى إدراجها في أي نظام جديد للحد من الأسلحة.
ولطالما كان الكرملين يقدر عملية الحد من الأسلحة؛ لأنها كانت الساحة الوحيدة التي يواجهون فيها الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات على قدم المساواة. يقول ألكسندر جولتس، محلل روسي مستقل، إن الكرملين يستخدم الحد من التسلح ليتفادى العزلة العالمية بشأن قضايا أخرى.
وأضاف «أحد أهداف السياسة الخارجية الروسية هو استئناف المحادثات حول هذه المعاهدات، وعدم تركها تموت. لكن أسلوب ترامب أكثر بدائية. فهو وفريقه لا يرون حاجة لتقييد الولايات المتحدة بأي التزامات على الإطلاق. وهو واثق تماماً من التفوق الأميركي في أي موقف. وهذا تصور خاطئ، ولكن هذا هو ما نحن عليه اليوم».
وأعرب كبير مفاوضي ترامب في الحد من التسلح، مارشال بيلينجسلي، صراحة عن وجهة النظر هذه مؤخراً، قائلاً إن الولايات المتحدة لا تريد سباق تسلح جديداً مع روسيا أو الصين، لكنها مستعدة تماماً لهزيمتهما بالطريقة نفسها التي فازت بها في الحرب الباردة القديمة.
ويقول أندريه كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الخارجية الروسي، التابع لوزارة الخارجية، إنه ستكون هناك حاجة بلا شك لأشكال جديدة من الحد من التسلح في المستقبل.
وقال أيضاً «في غياب الحد من التسلح، سيصبح من المستحيل تقريباً بالنسبة للولايات المتحدة أن تعرف ما لدينا حقاً أو ما يمكننا فعله. ومن المرجح أن تتبع روسيا سياسة (الغموض الاستراتيجي) لجعل الأميركيين يخمنون كوسيلة للردع. وهذه ستكون حالة خطيرة للغاية، حالة لا أحد يريدها».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
والآن، تبدو القوى النووية الكبرى على استعداد للانزلاق مرة أخرى في الفوضى الاستراتيجية التي كانت سائدة في أوائل الستينيات، قبل أن تركز أزمة الصواريخ الكوبية عقول القادة الأميركيين والسوفييت المروعين وتقودهم إلى الشروع في جهد متعدد الأجيال لبناء ما أصبح نظاماً شاملاً للحد من الأسلحة النووية.
تقول «ألكسندرا بيل»، مديرة السياسات في «مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار» في واشنطن: في أوائل الستينيات «مشينا إلى حافة الهاوية مع أزمة الصواريخ الكوبية. وبعد ذلك، عدنا إلى الوراء وبدأنا في التفاوض. وفي وقت لاحق، كنا محظوظين أن نجونا من ذلك في المرة الأولى. ومنحنا الحد من التسلح حاجز أمان ضد الفوضى. وسيكون من السيئ حقاً إذا لم يكن لدينا لأول مرة منذ 50 عاماً أي نظرة ثاقبة على أرض الواقع للقوات العسكرية لبعضنا بعضاً».
فلم تجلب صحوة أزمة الصواريخ الكوبية قيوداً على أعداد وأنواع الأسلحة الجديدة التي كانت تتطور فحسب، بل قللت أيضاً من التوترات من خلال تدابير بناء الثقة، وقنوات الاتصال المنتظم، وآليات التحقق الموثوقة.
وأضاف العديد من الرؤساء الأميركيين مساهماتهم الخاصة في شبكة الاتفاقات. منذ عقد من الزمان، وقع باراك أوباما «معاهد ستارت الجديدة»، الصفقة التي قامت بأكبر تخفيضات على الإطلاق للترسانات النووية الاستراتيجية، مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف.
لكن الصرح الذي أقامه قادة الحرب الباردة بدأ يتدهور تدريجياً منذ أن سحب جورج دبليو بوش الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972، والتي كانت بمثابة حجر الزاوية للنظام برمته من خلال وضع حدود صارمة على الأنظمة الدفاعية. وقد كفل هذا الردع المطلق المتبادل في شكل الدمار المتبادل المؤكد (MAD)، مما جعل فكرة الحرب النووية نفسها لا يمكن التفكير فيها.
ولكن الأمور أصبحت واهية منذ ذلك الحين، على الرغم من أن خبراء الحد من التسلح من الجانبين كانوا يصرون حتى وقت قريب على أن النظام قد يتم إحياؤه إذا أراد القادة ذلك. لكن إدارة ترامب، التي يبدو أنها تنفر من أي قيود على القوة الأميركية، دفنت الفكرة بأكملها من خلال تمزيق عدد قليل جداً من المعاهدات الدولية. وعلى وجه التحديد، انسحبت الإدارة مؤخراً من معاهدة القوى النووية المتوسطة لعام 1987، التي حظرت فئة كاملة من الصواريخ النووية وأطلق عليها «المعاهدة التي أنهت الحرب الباردة».
وفي مايو، أعلن ترامب انسحاب بلاده من معاهدة الأجواء المفتوحة، التي وقعتها 34 دولة عام 2002، والتي تدعم الحد من السلاح من السماح للدول بالتحليق فوق أراضي بعضها بعضاً عند الضرورة. واشتكى معظم حلفاء الولايات المتحدة من أن تركها سيكون بمثابة عمل مزعزع للاستقرار. وفي فبراير 2021، ستنتهي معاهدة ستارت الجديدة التي تسمح بإجراء 18 عملية تفتيش للمواقع النووية سنوياً، دون أي إشارة من الجانبين لتمديدها.
تقول إدارة ترامب، إن الانتهاكات الروسية المزعومة جعلت الاتفاقات القديمة غير قابلة للتطبيق، وأن لاعبين جدداً مثل الصين أصبحوا قوى نووية استراتيجية كاملة تحتاج إلى إدراجها في أي نظام جديد للحد من الأسلحة.
ولطالما كان الكرملين يقدر عملية الحد من الأسلحة؛ لأنها كانت الساحة الوحيدة التي يواجهون فيها الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات على قدم المساواة. يقول ألكسندر جولتس، محلل روسي مستقل، إن الكرملين يستخدم الحد من التسلح ليتفادى العزلة العالمية بشأن قضايا أخرى.
وأضاف «أحد أهداف السياسة الخارجية الروسية هو استئناف المحادثات حول هذه المعاهدات، وعدم تركها تموت. لكن أسلوب ترامب أكثر بدائية. فهو وفريقه لا يرون حاجة لتقييد الولايات المتحدة بأي التزامات على الإطلاق. وهو واثق تماماً من التفوق الأميركي في أي موقف. وهذا تصور خاطئ، ولكن هذا هو ما نحن عليه اليوم».
وأعرب كبير مفاوضي ترامب في الحد من التسلح، مارشال بيلينجسلي، صراحة عن وجهة النظر هذه مؤخراً، قائلاً إن الولايات المتحدة لا تريد سباق تسلح جديداً مع روسيا أو الصين، لكنها مستعدة تماماً لهزيمتهما بالطريقة نفسها التي فازت بها في الحرب الباردة القديمة.
ويقول أندريه كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الخارجية الروسي، التابع لوزارة الخارجية، إنه ستكون هناك حاجة بلا شك لأشكال جديدة من الحد من التسلح في المستقبل.
وقال أيضاً «في غياب الحد من التسلح، سيصبح من المستحيل تقريباً بالنسبة للولايات المتحدة أن تعرف ما لدينا حقاً أو ما يمكننا فعله. ومن المرجح أن تتبع روسيا سياسة (الغموض الاستراتيجي) لجعل الأميركيين يخمنون كوسيلة للردع. وهذه ستكون حالة خطيرة للغاية، حالة لا أحد يريدها».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»