هناك العديد من القصص المثيرة للقلق عن سوء تصرف السياسة الخارجية، في كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون «الغرفة التي شهدت الأحداث: مذكرات البيت الأبيض»، لكن من الواضح أن ما كشفه حول إجراءات إدارة ترامب بشأن سوريا، يبرز باعتبار هذه الإجراءات هي الأكثر إهمالاً بشكل كبير واختلالاً.
لقد عرفنا بالفعل قصة ترامب حول سوريا، وعرفنا أنه يريد إعادة نحو 2.000 جندي أميركي من هناك، بغض النظر عن العواقب، وعلمنا أنه يريد إعلان النصر على تنظيم «داعش» (قبل الأوان)، وتسليم ساحة المعركة لأي شخص يتدخل، ويعلن أن هدف الحملة قد تحقق.
لا يقدم الكتاب فقط تفاصيل رهيبة حول كيفية سوء تعامل ترامب مع سوريا، بل أيضاً الخلل العميق داخل فريقه، والأكثر إثارة للقلق هو عدم وجود أي محاولة صادقة من قبل إدارة ترامب لحل الأزمة السورية فعلياً أو حماية المدنيين السوريين.
وتكشف أقوال الرئيس، إذا كانت دقيقة، عن فهم أقل وازدراء لسوريا أكثر مما كان معروفاً من قبل، قام الرئيس بقطع 200 مليون دولار من المساعدات المقدمة لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، قائلاً: «أريد بناء بلدنا وليس دول أخرى»، كما أن ترامب لا يعتقد أن للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في محاربة داعش، وقال: «نحن نقتل داعش من أجل بلاد هي من أعدائنا».
واتخذ ترامب قراره بضرب نظام الأسد للمرة الثانية، بعد الهجمات الكيميائية ضد المدنيين خلال الأسبوع الأول من عمل بولتون كمستشار للأمن القومي، ويتهم بولتون وزير الدفاع آنذاك «جيم ماتيس» باستخدام المناورات البيروقراطية لوضع ترامب أمام خيارات أقل أهمية، والذي رأى بولتون أنه غير كافٍ لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى.
ويشكل قرار ترامب في ديسمبر 2018، بإعلان الانسحاب الأميركي الكامل من سوريا وتفاعلاته مع الرئيس التركي أردوغان أكثر حكايات بولتون المثيرة للقلق، وكتب «كانت هذه أزمة شخصية بالنسبة لي»، لكن ليس بسبب ما سيحدث من سوريا بل وقف إيران.
كانت مكالمات ترامب مع أردوغان مزيجاً محرجاً من الرسائل المشوشة والافتراضات الساذجة، فقد أراد ترامب أن تنتهي تركيا من محاربة داعش، وعدم مهاجمة الأكراد.
لم يكن لدى الرئيس إطلاقاً فهماً واقعياً لسوريا، كان يعتقد أن الدول العربية سترسل قوات إلى سوريا وتدفع للولايات المتحدة لدعمها، وهي مبادرة حاول بولتون فعلياً تنفيذها، ولكن دون التوصل لنتائج، كما كان ترامب يعتقد أن الدول الأوروبية سترسل مزيداً من القوات إلى سوريا، إذا انسحبت الولايات المتحدة، وهو ما لم يكن صحيحاً أبداً.
ما يوضحه كتاب بولتون هو أن لا أحد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، رأى أنه من مسؤولية الولايات المتحدة القيام بدور قيادي في الأزمة السورية الفعلية، كان بولتون يهتم بإيران و«ماتيس» يهتم بـ«داعش»، بينما كان «جيم جيفري»، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا، يهتم بالعلاقة مع تركيا، لكنه لم يكن لديه إطلاقاً التفويض أو المكانة اللازمة لدفع الدبلوماسية إلى الأمام، وكان ترامب يهتم بقاعدته الانتخابية، أما وزير الخارجية مايك بومبيو، فهم يهتم بإرضاء ترامب، ولكن لا أحد من كبار المسؤولين في الإدارة، كان يهتم فعلاً بالشعب السوري.
هذه هي المأساة المستمرة لسياسة إدارة ترامب بشأن سوريا، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وما لم يتم منح الشعب السوري الكرامة الأساسية والأمن والعدالة، فلن تنتهي الحرب أبداً.
*كاتب أميركي متخصص في الأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لقد عرفنا بالفعل قصة ترامب حول سوريا، وعرفنا أنه يريد إعادة نحو 2.000 جندي أميركي من هناك، بغض النظر عن العواقب، وعلمنا أنه يريد إعلان النصر على تنظيم «داعش» (قبل الأوان)، وتسليم ساحة المعركة لأي شخص يتدخل، ويعلن أن هدف الحملة قد تحقق.
لا يقدم الكتاب فقط تفاصيل رهيبة حول كيفية سوء تعامل ترامب مع سوريا، بل أيضاً الخلل العميق داخل فريقه، والأكثر إثارة للقلق هو عدم وجود أي محاولة صادقة من قبل إدارة ترامب لحل الأزمة السورية فعلياً أو حماية المدنيين السوريين.
وتكشف أقوال الرئيس، إذا كانت دقيقة، عن فهم أقل وازدراء لسوريا أكثر مما كان معروفاً من قبل، قام الرئيس بقطع 200 مليون دولار من المساعدات المقدمة لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، قائلاً: «أريد بناء بلدنا وليس دول أخرى»، كما أن ترامب لا يعتقد أن للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في محاربة داعش، وقال: «نحن نقتل داعش من أجل بلاد هي من أعدائنا».
واتخذ ترامب قراره بضرب نظام الأسد للمرة الثانية، بعد الهجمات الكيميائية ضد المدنيين خلال الأسبوع الأول من عمل بولتون كمستشار للأمن القومي، ويتهم بولتون وزير الدفاع آنذاك «جيم ماتيس» باستخدام المناورات البيروقراطية لوضع ترامب أمام خيارات أقل أهمية، والذي رأى بولتون أنه غير كافٍ لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى.
ويشكل قرار ترامب في ديسمبر 2018، بإعلان الانسحاب الأميركي الكامل من سوريا وتفاعلاته مع الرئيس التركي أردوغان أكثر حكايات بولتون المثيرة للقلق، وكتب «كانت هذه أزمة شخصية بالنسبة لي»، لكن ليس بسبب ما سيحدث من سوريا بل وقف إيران.
كانت مكالمات ترامب مع أردوغان مزيجاً محرجاً من الرسائل المشوشة والافتراضات الساذجة، فقد أراد ترامب أن تنتهي تركيا من محاربة داعش، وعدم مهاجمة الأكراد.
لم يكن لدى الرئيس إطلاقاً فهماً واقعياً لسوريا، كان يعتقد أن الدول العربية سترسل قوات إلى سوريا وتدفع للولايات المتحدة لدعمها، وهي مبادرة حاول بولتون فعلياً تنفيذها، ولكن دون التوصل لنتائج، كما كان ترامب يعتقد أن الدول الأوروبية سترسل مزيداً من القوات إلى سوريا، إذا انسحبت الولايات المتحدة، وهو ما لم يكن صحيحاً أبداً.
ما يوضحه كتاب بولتون هو أن لا أحد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، رأى أنه من مسؤولية الولايات المتحدة القيام بدور قيادي في الأزمة السورية الفعلية، كان بولتون يهتم بإيران و«ماتيس» يهتم بـ«داعش»، بينما كان «جيم جيفري»، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا، يهتم بالعلاقة مع تركيا، لكنه لم يكن لديه إطلاقاً التفويض أو المكانة اللازمة لدفع الدبلوماسية إلى الأمام، وكان ترامب يهتم بقاعدته الانتخابية، أما وزير الخارجية مايك بومبيو، فهم يهتم بإرضاء ترامب، ولكن لا أحد من كبار المسؤولين في الإدارة، كان يهتم فعلاً بالشعب السوري.
هذه هي المأساة المستمرة لسياسة إدارة ترامب بشأن سوريا، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وما لم يتم منح الشعب السوري الكرامة الأساسية والأمن والعدالة، فلن تنتهي الحرب أبداً.
*كاتب أميركي متخصص في الأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»