حينما انطلق الصاروخ «فالكون 9»، من مركز كينيدي للفضاء، قبل حوالي 3 أسابيع، حاملاً الكبسولة الفضائية «كرو دراغون»، وعلى متنها رائدا الفضاء الأمريكيان «روبرت بنكن» و«دوغ هورلي»، قال الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، الذي كان يراقب عملية الإطلاق من موقع يبعد بضعة كيلومترات: «لا أحد يقوم بذلك مثلنا»!.
لا أحد يقوم بذلك مثلنا! لا أحد في العالم يفعل مثلما يفعل الأميركيون، ليست هناك أمة متقدمة صناعياً وتكنولوجياً مثل الأمة الأميركية، ليس هنالك على هذه البسيطة من هو أفضل من المواطن الأميركي، هكذا مرر ترامب رسالته، وهكذا استقبلها ويستقبلها المواطنون الأميركيون على مدار الساعة، هكذا يتواصل الساسة مع انتماء المواطن الأميركي لبلده!
والحقيقة أن المتتبع لخطابات ترامب الانتخابية وغير الانتخابية وخطابات الرؤساء الأميركيين من قبله، يجد أنهم يركزون دائماً على تفوق «العنصر الأميركي» على باقي المواطنين العالميين، وتفوق المنتج الأميركي في سباق المنتجات العالمية، ويعزون ذلك في «تفسير غير معلن» إلى تقدم الولايات المتحدة التكنولوجي، وهيمنتها الثقافية والسياسية والاقتصادية على المشهد العالمي.
فعلى عكس اللغة الانتخابية المستخدمة في باقي بلدان العالم، لا يجد السياسي الأميركي ما يثير الحماسة والفخر في نفوس مواطنيه، سوى تذكيرهم بأنهم الأقوى عالمياً والأكثر تقدماً على المستوى التكنولوجي والصناعي، وأن لا شبيه لهم على هذه الكرة الزرقاء التي نعيش عليها.
يفعل ذلك لأنه يعرف أن «انتماء المواطن الأميركي» لبلده، لم يتشكل بسبب ماضيه التليد على هذه الأرض الجديدة، إذا ليس له ماض قبل مستعمرة «جيمس تاون»، ولم يُخلق بأدوات مرجعيته الدينية، إذ إن العلمانية هي المظلة الرئيسية التي ينتظم تحتها كل المواطنين، ولم يولد من رحم الخلفية الثقافية الواحدة، التي تشكل معتقداته وإيديولوجياته ولوني علم بلاده الأزرق والأحمر، إذ إن هناك آلاف الخلفيات الثقافية التي يعيش الأميركيون في دوائرها بسبب تنوع منافذ هجرتهم، ولم يتعاظم ويكبر بسبب الفخر والتباهي بعظمة الآثار وقدسية ما تركه الأولون، إذ إن أقدم أثر للأمة الأميركية لا يتجاوز عمره بضع مئات من السنوات.
هوية المواطن الأميركي تتمثل في شعوره بفرادته وتميزه، وانتماؤه لوطنه لا يمر عبر تاريخها أو موجوداتها الثقافية والحضارية، وإنما يتمركز في «الحداثة» والمدنية والتكنولوجيا و«الحلم الأميركي»، ولاء المواطن الأميركي لبلده يمر عبر ولائه لتقدمها التكنولوجي والصناعي وهيمنتها على العالم، وهذا ما يدركه كل الساسة الأميركيين، بدءاً من الآباء المؤسسين، وانتهاءً بدونالد ترامب وجوزيف بايدن.
الأميركي- بحسب تعريف الأميركي لنفسه- هو الصانع المتفرد، العسكري الذي لا تنزل كلمته في الأرض، التاجر الذي يحرك بدولاراته دولاب العالم، السياسي الذي يأمر فيطاع، هكذا يرى الأميركي نفسه، وهكذا يعزز السياسي هذه الرؤية في نفوس الأميركيين. «مركب نقص» حولوه إلى عامل قوة، وهذا من حقهم طبعاً، لكن الذي ليس من حقهم، هو تعميم هذه «الهوية الداخلية» عالمياً، ومحاولة إخضاع شعوب الأرض لها، ما تسبب في أزمات عالمية كثيرة!
*كاتب سعودي