هل يجوز الحديث عن حرب باردة جديدة تجمع واشنطن وبكين؟ في زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كانت موسكو وواشنطن على رأس تحالفين عالميين يوسعان تداعياتها في العالم برمته. فسواء في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو آسيا، كانت كل النزاعات تشمل طرفا مرتبطا إما بموسكو أو بواشنطن. ولكننا لا نرى شيئا مماثلا لذلك في النزاعات الحالية التي لا تجمع بين بكين وواشنطن، ولو بشكل غير مباشر.
كان هدف الاتحاد السوفييتي في الواقع هو أن يلحق بالولايات المتحدة عسكريا، وقد كان له ذلك في نهاية المطاف. والحال أن هذا السباق إلى التسلح هو الذي ساهم بشكل كبير في تدمير اقتصاده. اليوم، التفوق العسكري للولايات المتحدة أمام بكين واضح جدا. إذ تبلغ النفقات العسكرية الأميركية 738 مليار دولار في حين أن النفقات العسكرية الصينية لا تبلغ سوى 200 مليار دولار. كما أن الاتحاد السوفييتي لم يتجاوز أبدا 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. واليوم، ما زال الناتج المحلي الإجمالي الصيني أقل من نظيره الأميركي، ولكنه بات يمثّل 60 في المئة منه.
إذاً، الامتياز الاقتصادي للولايات المتحدة حقيقي، ولكنه آخذ في التقلص. وخلافا لما يوجد بين بكين وواشنطن، فإنه لم تكن ثمة تقريبا أي علاقة اقتصادية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الاقتصاد الصيني في القرن الحادي والعشرين مندمج في الاقتصاد العالمي بشكل كلي، خلافا لما كان عليه الحال مع الاقتصاد السوفييتي.
وخلافا للاتحاد السوفييتي أيضا، فإن الصين لا تطمح إلى نشر الشيوعية على الصعيد العالمي. ذلك أنها عندما توقّع اتفاقيات مع بلدان أخرى، فإنها لا تفعل ذلك بهدف مساعدة حزب شيوعي محلي يأخذ السلطة لاحقا في ذاك البلد، وإنما من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية. فالصين قوة يقودها حزب شيوعي يرتكز على القومية والرأسمالية. وطموح الصينيين الرئيسي هو أن يصبحوا القوة الأولى من جديد مثلما كانوا في القرن التاسع عشر، ولكن هذه المرة في عالم معولم.
ومن جانبها، ترغب الولايات المتحدة في أن تبقى القوة العالمية الأولى. وبصفتها دولة ديمقراطية، فإنها لا تعتبر نفسها تهديدا بالنسبة للدول الأخرى، وهو أمر تطعن فيه العديد من البلدان التي خضعت لتدخلات عسكرية أميركية. وعليه، فإن المعركة الحالية ليست إيديولوجية، وإنما تنافس من أجل الهيمنة العالمية.
وهكذا، يمكن الاتفاق مع الرأي القائل بوجود حرب باردة بين بكين وواشنطن من حيث إن ثمة بالفعل مواجهة كلامية عنيفة لا تتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة. غير أن الاختلافات واضحة، سواء من حيث التحالفات أو التكافؤ. والواقع أن التشابه مع الحرب الباردة مرده إلى حقيقة أنه كان ينظر إلى العلاقات الدولية أثناء هذه الفترة مثل لعبة صفرية. وهذا يعني أنه إذا بدأت اللعبة، فإن المبالغ التي ستوزع في النهاية تعادل تلك التي كانت موجودة في بداية اللعبة. بعبارة أخرى، إذا كان ثمة مكاسب للاتحاد السوفييتي، فإن هذا سيتسبب بالضرورة في خسارة للولايات المتحدة، والعكس صحيح. خلال فترة الانفراج، كان التنافس موجودا؛ ولكنه كان قابلا للاحتواء، وموجودا بطريقة منظمة ومحددة بقواعد لا ينبغي خرقها، والأهم من ذلك مصمما مثل لعبة محصلتها غير الصفر. إذ كان يمكن للطرفين أن ينهزما معا أو يربحا معا في الوقت نفسه.
في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وبعد أن لاحظا التراجع النسبي للولايات المتحدة الذي كان يعزى بشكل رئيسي إلى حرب فيتنام، من جهة، وتزايد قوة الاتحاد السوفييتي، من جهة أخرى، قرّر نيكسون وكيسينجر بدء فترة انفراج، وذلك لأنهما كانا يعرفان أن الحرب الباردة لم تعد تصب في صالحهما وأنه ينبغي إيجاد تسويات مع الاتحاد السوفييتي. أما اليوم، وأمام تزايد قوة الصين، فإن أميركا ترامب تفعل عكس ذلك تماما. إذ تفضّل تأجيج التنافس مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر الدخول في مواجهة مع الصين التي تزداد شراسة. فهل يمكن أن يصل البلدان أيضا إلى انفراج؟
الواقع أن نسخة صينية-أميركية من الحرب الباردة ليست قدراً محتوماً. فالصين والولايات المتحدة يمكنهما، في سبيل مصلحتهما المشتركة، الاتفاق على انفراج. ثم إن الشراسة الأميركية إزاء الصين لن تكسر نمو البلاد الذي لا يعتمد على الرضا الأميركي وعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة. وبالمقابل، فإن قطيعة في العلاقات الصينية-الأميركية ستكون مكلّفة بالنسبة للبلدين. وإذا أراد الطرفان الاستفادة من دروس تاريخ الحرب الباردة والانفراج، فيجدر ببكين وواشنطن إيجاد رؤية تسمح بتحقيق المكاسب بدون أن يعني ذلك إضعاف الآخر، أو الأفضل من ذلك، أن يستطيع الاثنان، من خلال التعاون، أن يكون رابحين معا.
كان هدف الاتحاد السوفييتي في الواقع هو أن يلحق بالولايات المتحدة عسكريا، وقد كان له ذلك في نهاية المطاف. والحال أن هذا السباق إلى التسلح هو الذي ساهم بشكل كبير في تدمير اقتصاده. اليوم، التفوق العسكري للولايات المتحدة أمام بكين واضح جدا. إذ تبلغ النفقات العسكرية الأميركية 738 مليار دولار في حين أن النفقات العسكرية الصينية لا تبلغ سوى 200 مليار دولار. كما أن الاتحاد السوفييتي لم يتجاوز أبدا 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. واليوم، ما زال الناتج المحلي الإجمالي الصيني أقل من نظيره الأميركي، ولكنه بات يمثّل 60 في المئة منه.
إذاً، الامتياز الاقتصادي للولايات المتحدة حقيقي، ولكنه آخذ في التقلص. وخلافا لما يوجد بين بكين وواشنطن، فإنه لم تكن ثمة تقريبا أي علاقة اقتصادية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الاقتصاد الصيني في القرن الحادي والعشرين مندمج في الاقتصاد العالمي بشكل كلي، خلافا لما كان عليه الحال مع الاقتصاد السوفييتي.
وخلافا للاتحاد السوفييتي أيضا، فإن الصين لا تطمح إلى نشر الشيوعية على الصعيد العالمي. ذلك أنها عندما توقّع اتفاقيات مع بلدان أخرى، فإنها لا تفعل ذلك بهدف مساعدة حزب شيوعي محلي يأخذ السلطة لاحقا في ذاك البلد، وإنما من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية. فالصين قوة يقودها حزب شيوعي يرتكز على القومية والرأسمالية. وطموح الصينيين الرئيسي هو أن يصبحوا القوة الأولى من جديد مثلما كانوا في القرن التاسع عشر، ولكن هذه المرة في عالم معولم.
ومن جانبها، ترغب الولايات المتحدة في أن تبقى القوة العالمية الأولى. وبصفتها دولة ديمقراطية، فإنها لا تعتبر نفسها تهديدا بالنسبة للدول الأخرى، وهو أمر تطعن فيه العديد من البلدان التي خضعت لتدخلات عسكرية أميركية. وعليه، فإن المعركة الحالية ليست إيديولوجية، وإنما تنافس من أجل الهيمنة العالمية.
وهكذا، يمكن الاتفاق مع الرأي القائل بوجود حرب باردة بين بكين وواشنطن من حيث إن ثمة بالفعل مواجهة كلامية عنيفة لا تتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة. غير أن الاختلافات واضحة، سواء من حيث التحالفات أو التكافؤ. والواقع أن التشابه مع الحرب الباردة مرده إلى حقيقة أنه كان ينظر إلى العلاقات الدولية أثناء هذه الفترة مثل لعبة صفرية. وهذا يعني أنه إذا بدأت اللعبة، فإن المبالغ التي ستوزع في النهاية تعادل تلك التي كانت موجودة في بداية اللعبة. بعبارة أخرى، إذا كان ثمة مكاسب للاتحاد السوفييتي، فإن هذا سيتسبب بالضرورة في خسارة للولايات المتحدة، والعكس صحيح. خلال فترة الانفراج، كان التنافس موجودا؛ ولكنه كان قابلا للاحتواء، وموجودا بطريقة منظمة ومحددة بقواعد لا ينبغي خرقها، والأهم من ذلك مصمما مثل لعبة محصلتها غير الصفر. إذ كان يمكن للطرفين أن ينهزما معا أو يربحا معا في الوقت نفسه.
في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وبعد أن لاحظا التراجع النسبي للولايات المتحدة الذي كان يعزى بشكل رئيسي إلى حرب فيتنام، من جهة، وتزايد قوة الاتحاد السوفييتي، من جهة أخرى، قرّر نيكسون وكيسينجر بدء فترة انفراج، وذلك لأنهما كانا يعرفان أن الحرب الباردة لم تعد تصب في صالحهما وأنه ينبغي إيجاد تسويات مع الاتحاد السوفييتي. أما اليوم، وأمام تزايد قوة الصين، فإن أميركا ترامب تفعل عكس ذلك تماما. إذ تفضّل تأجيج التنافس مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر الدخول في مواجهة مع الصين التي تزداد شراسة. فهل يمكن أن يصل البلدان أيضا إلى انفراج؟
الواقع أن نسخة صينية-أميركية من الحرب الباردة ليست قدراً محتوماً. فالصين والولايات المتحدة يمكنهما، في سبيل مصلحتهما المشتركة، الاتفاق على انفراج. ثم إن الشراسة الأميركية إزاء الصين لن تكسر نمو البلاد الذي لا يعتمد على الرضا الأميركي وعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة. وبالمقابل، فإن قطيعة في العلاقات الصينية-الأميركية ستكون مكلّفة بالنسبة للبلدين. وإذا أراد الطرفان الاستفادة من دروس تاريخ الحرب الباردة والانفراج، فيجدر ببكين وواشنطن إيجاد رؤية تسمح بتحقيق المكاسب بدون أن يعني ذلك إضعاف الآخر، أو الأفضل من ذلك، أن يستطيع الاثنان، من خلال التعاون، أن يكون رابحين معا.