«جورج فلويد» ليس «روزا باركس»
يعتقد البعض أن المظاهرات التي تنشط الآن في عدد كبير من المدن الأميركية، تمثل احتجاجاً على التمييز العرقي والفصل العنصري. أنا أفعل كذلك. ويعتقد الكثيرون أن هذه المظاهرات قد تسهم في إنهاء حالة العنصرية المتفشية في المجتمع الأميركي. أنا لا أظن ذلك.
في شهر ديسمبر من عام 1955، تصاعدت الأحداث بعد اعتقال «روزا باركس» لرفضها التخلي عن مقعدها في الأوتوبيس لصالح أحد الركاب البيض. تذكّر السود، بفضل هذه الفتاة السمراء، أنهم يعيشون على الهامش بسبب القوانين العنصرية التي تفصلهم عن الواقع الأميركي. أدركوا، في فورة غضبهم، أن قوانين «جيم كرو» وغيرها من قوانين الفصل العنصري المطبقة في ذلك الوقت، ليست دستورية. عرف السود أن الكرة في ملعب البيض وليست في ملعبهم، وضغطوا في هذا الاتجاه حتى تحققت مطالبهم وأصبح «تقنين الفصل العنصري» جزءاً من التاريخ.
اليوم يموت «جورج فلويد» بسبب عنصرية شرطي أبيض، لكن لا أحد في أميركا يقول إن الدولة بمؤسساتها كافة تعامل السود معاملة تختلف عن المواطنين الآخرين ذوي الأعراق المختلفة. لا أحد يقول إن النظام يحمي هذه العنصرية! العنصرية، الموجودة حقيقة، في أميركا اليوم ليست أفقية «ظاهرة» بين الأعراق بحماية نظام الدولة، وإنما هي رأسية «مستترة» بين الطبقات بسبب وجود الأبيض الغني المتعلم في الأعلى والأسود الفقير الأقل تعليماً في الأسفل! الأبيض في «أميركا ما بعد روزا باركس» يمارس «عنصريته البغيضة» لا بحجة اللون كما كان في السابق، وإنما بحجة مواجهة «مجتمع الجريمة» و«بيئة المخدرات» و«مستنقعات العنف والعصابات» و«الفقر» و«الجهل». الأبيض يتعنصر ضد الأسود، هذه حقيقة لا شك فيها،، لكنه لا يجرؤ على أن يفعل ذلك بمسوغ قانوني، وإنما يغلفها بمسوغات إجرائية!
قبل عام 1955 كان الأبيض العنصري يهمش «الأسود الضحية» بمباركة الدولة، أما اليوم فعلى السود أن يعرفوا أن «العنصرية القبيحة المستترة» التي يتفنن الأبيض بممارستها ضدهم، إنما هي بسبب «هامش الحرية» الذي تحصّل عليه بمباركة السود أنفسهم! جورج فلويد لوحده ليس قادراً على التغيير، إنما على السود جميعاً أن يثوروا على واقعهم، ويعيدوا قراءة أنفسهم. عليهم أن يتخلصوا أولاً من مصطلح «الأميركي الأفريقي» الذي يقبلونه بترحاب، ويعدونه جزءاً أصيلاً من ثقافتهم (لماذا لا يقول الأبيض عن نفسه «الأميركي الأوروبي»؟)، ويبدأوا في الخروج من «دائرة المغلوب» التي سجنوا أنفسهم فيها اختياراً بعد أن أخرجتهم باركس من دائرة المغلوب التي كانوا مجبرين على دخولها. عليهم أن يواجهوا الأبيض بتعليمهم وتحضرهم، وعليهم أن لا يعولوا كثيراً على هذه الدائرة، وهذه مسألة في غاية الأهمية، على أفراد منهم ارتفعوا للطبقة العليا بالعلم والغنى، فالتجارب أثبتت فشل هذا النوع من المراهنة.
المظاهرات اليوم في أميركا موجهة إلى لا أحد! إنها عبثية ما لم يوجهها السود إلى أنفسهم!
*كاتب سعودي