أدى فيروس كورونا إلى تفاقم المخاطر في الأسواق العالمية، التي تدير أنشطة مالية بلغت 145 تريليون دولار، وترتبط المخاطر بصورة أكبر بنظام «الظل المصرفي»، الذي سبق أن سجلت حركته انتعاشاً كبيراً، إثر انتهاء الأزمة العالمية 2008، بإفلاس بنك «ليمان براذرز» الأميركي، حتى بلغت قيمة الأصول التي يديرها نحو 51 تريليون دولار بنهاية العام الماضي، وبما أن هذا النظام يضم أسواقاً مالية ومؤسسات ووسطاء في مختلف القطاعات غيرالأنشطة المصرفية، وتتولى تقديم خدمات مصرفية بفوائد ثابتة ومغرية على ودائع المستثمرين، فإن الخوف يكمن في احتمال انسحاب هؤلاء المستثمرين، ما يعرض ملايين الشركات للخطر، مع العلم أن شركات الوساطة المالية وصناديق الاستثمار تواجه حالياً صعوبات حادة.
وتؤدي «بنوك الظل» الوظيفة الرئيسية للوساطة الائتمانية، التي تتمثل بالآتي: تحويل آجال الاستحقاق بالحصول على أموال قصيرة الأجل للاستثمار في أصول أطول أجلاً، تحويل السيولة باستخدام خصوم شبه نقدية لشراء أصول، يكون بيعها أصعب كالقروض مثلاً، الرفع المالي باستخدام أساليب مثل اقتراض أموال لشراء أصول ثابتة لزيادة المكاسب المحتملة لأي استثمار، نقل مخاطر الائتمان بتحمل مخاطر عجز أحد المقترضين على السداد، ونقلها من منشأ القرض إلى طرف آخر، وبما أن هذه البنوك لا تخضع للإشراف والرقابة التي تخضع لها البنوك التقليدية، وبسبب غياب شبكة أمان رسمية، فقد يتحول قطاع الظل المصرفي إلى مصدر للمخاطر النظامية، التي تعرض استقرار النظام المالي بأكمله للخطر، مع العلم بأن أهمية هذا الاستقرار ترتبط بمدى قدرة النظام المالي على مواجهة الصدمات غير المتوقعة، لذا فأي نظام مالي مكون من مؤسسات وأسواق وبنية أساسية يعتبر مستقراً، إذا استمر في ضمان توزيع موارده المالية بفاعلية، مع تحقيق أهدافه الاقتصادية الكلية، حتى في أوقات الضغوط أو الأزمات.
و«الظل المصرفي» يرمز إلى واحد من الإخفاقات الكثيرة التي شابت النظام المالي العالمي، ويطلق عليه الاقتصادي بول مكالي «بؤرة أميركية» بصفة متمايزة، ولذلك يلاحظ أن مجلس الاستقرار المالي يركز على الولايات المتحدة بشكل رئيسي (حصتها 30% من حجم التمويل)، وعلى باقي البلدان التي تنشط في صيرفة الظل، ومن بينها الصين (حصتها 15%) التي يقدر النشاط المصرفي خارج الميزانية العمومية للبنوك لديها بنحو 17 تريليون يوان، أي ما يقترب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ويهيمن على هذا النظام الإقراض للمقترضين ذوي المخاطر المرتفعة، والتي حذّر صندوق النقد الدولي من تفاقمها.
كذلك شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة، توسعاً في أنشطة بنوك الظل، ليتجاوز حجمها 24 تريليون دولار، أما في روسيا فبلغ حجم اقتصاد الظل (وفق تقرير هيئة الرقابة المالية لوزارة الداخلية) 20 تريليون روبل، وهو ما يعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أكبر من نفقات الميزانية الفيدرالية المقدرة بقيمة 18 تريليون روبل.
ورغم أن نقص البيانات يحول دون إجراء تقييم شامل لصيرفة الظل، يرى مجلس الاستقرار المالي العالمي أن هذا النظام يمكن أن يقوم بدور مفيد، كعنصر مكمل للنظام المصرفي التقليدي، عن طريق التوسع في منح التسليفات ودعم السيولة في الأسواق، وتحويل آجال الاستحقاق، وتقاسم المخاطر، لكن التحدي يبقى في العمل لتخفيف مخاطره، من خلال منهج أشمل للتنظيم والرقابة.
*كاتب لبناني