تحديات مجتمع ما بعد كوفيد-19
حذرت في مقال الأسبوع الماضي، من أنه من المتوقع ظهور عدد من الحركات السياسية والاجتماعية في مواجهة الاضطراب الاقتصادي الكبير الذي تعيشه حالياً كثير من الأسر في الولايات المتحدة.
وربما بدأنا نرى بداية نوع من هذه الحركات، الأسبوع الماضي، مع دعوة شخصيات إعلامية ومنظمات من الجناح اليمني إلى مظاهرات في عواصم بعض الولايات. إنهم يطالبون بإنهاء إجراءات غلق الطوارئ التي فُرضت للسيطرة على انتشار فيروس كورونا. والمحتجون حملوا لافتات تنتقد الإغلاق، وتعزف على وتر الحريات والحقوق الشخصية. فقد رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «لا يمكن حجر الدستور» و«حقوقي تنتهي حيث تبدأ مخاوفك» و«حقوقي تبطل مخاوفك»، كما حملوا لافتات تؤيد الرئيس دونالد ترامب.
والرئيس ترامب، من جانبه، أيد هذه الاحتجاجات ناشراً، في تتابع سريع، عدداً من التغريدات التي جاء فيها: «حرروا مينيسوتا» و«حرروا ميشيجان» و«حرروا فيرجينيا» «وأنقذوا تعديلكم الثاني العظيم (في الدستور). إنه تحت الحصار». واقتصر ترامب في هجماته على الولايات التي حكامها من «الديمقراطيين»، وهذه حيلة لطالما اتبعها ترامب و«الجمهوريون»، وتتمثل في إلقاء اللوم على «المؤسسة»، والتحسر على الحريات المسلوبة على يد الذين يحكمون. لكن هذا النهج، في هذه الحالة، مثير للسخرية لأن ترامب يتزعم الحكومة الاتحادية، وهو نفسه أصدر أوامر تدعم الإغلاق.
واتبع الرئيس حيلته التي جربها ويعرف نجاعتها، والمتمثلة في استغلال مخاوف وتململ أنصاره.
والرئيس وحزبه يريدون من كل هذا، فيما يبدو، إعادة استغلال الحيل التي استخدموها، وحققت بعض النجاح بعد ركود 2008 -2009 الاقتصادي. فقد حرضوا، حينذاك، ضد الأجانب، مركزين هجماتهم على المهاجرين، والعرب، والمسلمين، والسود، والهسبانك، وضد مساعي «الديمقراطيين» لتوسيع تغطية الرعاية الصحية.
وأجدت هذه الحيل نفعاً، وخلقت حركة جماهيرية أدت، في نهاية المطاف، إلى صعود التأييد لترامب. ومن خلال هذه الحيل استقطبوا كثيراً من الناخبين البيض من الطبقة الوسطى، الذين شعروا بالتجاهل والخذلان والقلق بشأن مستقبلهم، ليصبحوا قاعدة تأييد لسياسات اقتصادية مضادة لمصالحهم.
وأثناء العقد الماضي، بينما كان «الجمهوريون» ينشرون رسالة الخوف المثيرة للشقاق تلك، لم يستطع «الديمقراطيون» التوصل لرد قوي على هذه الرسالة. صحيح أنهم قدموا شعارات عريضة مثل «إننا أقوى معاً»، ودافعوا عن أهداف سياسية معقدة مثل إصلاح الهجرة، بالتركيز على المهاجرين الذين بلا وثائق، وعلى برنامج بنية تحتية يخلق فرص عمل ويتكلف تريليون دولار. كما عززوا وطوروا استراتيجياتهم لجمع التمويل وفي وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال هذا، نجحوا في تحفيز ما أصبح قاعدة انتخابية «ديمقراطية» من الأقليات والشباب والنساء المتعلمات. لكنهم فشلوا في تقليص الدعم للتيار المؤيد لترامب. والواقع أن الطريقة التي تناول بها «الديمقراطيون» هذه القضايا، ساهمت في مفاقمة الانقسام القومي.
وتكشف لنا الاحتجاجات ضد إغلاق فيروس كورونا حلقات الاستراتيجية التي تستغل مرة أخرى الخوف والتململ. فمنظمو هذه الاحتجاجات يعلمون جيداً ما يفعلونه. وكثيرون من المشاركين في الاحتجاجات من المتعصبين، واللافتات تشير إلى هذا بوضوح. لكن هؤلاء ليسوا إلا طليعة ورسل استراتيجية قصد بها الوصول إلى جمهور أوسع من الأميركيين الخائفين على مستقبلهم، والذين يشعرون بخطر الدمار الاقتصادي الذي تتجاهله الصفوة.
ويتعين الآن، وضع استراتيجية تتضمن رسالة محترمة تخاطب كل جماعة متضررة من المجتمع. ويجب أن تعكس فهماً لتضررهم، بل وغضبهم لفقدان الوظائف، وضجرهم من العيش منعزلين عن أسرهم وأصدقائهم. ويجب أن تكون رسالة مفحمة، وتستند إلى قيمة، كرسالة فرانكلين روزفيلت أثناء الكساد الكبير، أو رسالة تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية.
ويجب أن تكون شارحة واستشرافية لمستقبل أفضل، تشرح أسباب ضرورة فرض الحظر المرهق، ويصاحب هذا رؤية إيجابية للمستقبل، في مقابل الرؤية الكابوسية التي تنتظرنا، إذا لم نتمسك بالإجراءات الاحترازية. وأخيراً يجب أن تكون هذه الاستجابة شخصية وعامة. وهذا يعني أن تتوسل بضحية ما أو بطل ما، تمثل قصته الشخصية مثالاً يوحي بالأمل، ويدعم التعاطف، ويجدد الثقة في الحكومة. ويتملكني اعتقاد قوي بأن الذين وقعوا فريسة الغضب والخوف والضجر، سيستجيبون إلى رسالة تخاطب قلقهم على أسرهم، وتتعاطف مع الآخرين المحتاجين، وتكترث للصالح العام. لكن للفوز بدعمهم، يتعين مخاطبتهم عبر رسل يمكنهم الثقة فيهم.
من المؤكد أنها مهمة شاقة، لكن الأزمة التي نمر بها، ورد الفعل المتوقع الذي نشهده أمامنا بالفعل، يتطلب عملاً استثنائياً. وبينما لا يمكننا وضع جدول زمني للتوصل إلى لقاح أو علاج من الفيروس، لكن عمل الباحثين يجعلني أشعر بقين أنه سيمكننا هذا. لكن ما لست متأكداً منه هو نوع المجتمع والحكومة، الذي سيكون لدينا حين تنتهي هذه الأزمة، وهذا هو التحدي الذي نواجهه.
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن