ما الذي يمنع «الطبيعة القديمة» من العمل، بأقل كفاءة ممكنة في عصر«كوفيد-19»، ليتكيف الناس تدريجياً مع التغيّرات الأساسية، التي طرأت على حياتهم، وأجبرتهم على تغيير سلوكهم الاجتماعي، بهذه القسوة، فباتوا يتحدثون عن «طبيعة جديدة»، تتصل قليلاً بالماضي، مع علمهم أنها لم تعد خياراً، فيما ضرب فيروس كورونا المستجد أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وحصد أكثر من مئتي ألف وفاة، منذ انفجاره في الصين، ديسمبر الماضي؟
تبدو «الطبيعة الجديدة» تعبيراً ملتبساً وغامضاً، في الدول التي لم تسجل إلا بضع آلاف من الإصابات، أو تلك التي تشهد تباطؤاً في انتشار الفيروس، كما في دول كثيرة في الشرق الأوسط. لكنّ الاصطلاح في بلدان أثخنها الفيروس بالإصابات والضحايا، كالولايات المتحدة وأوروبا، أصبح شائعاً ومتداولاً في الأوساط الأكاديمية (علم النفس الاجتماعي)، والإعلامية، ولدى النخب السياسية والاجتماعية، وهذا لافت طبعاً ومُغرٍ جداً للشركات الرأسمالية، ويثير أسئلةً عن مآلات السلوك الاستهلاكي في العالم الجديد.
تصلح الولايات المتحدة، مثالاً، لوضوح فهم المجتمع لـ«الطبيعة الجديدة» التي هو بصددها. ربما بسبب وفرة المحتوى العلمي في وسائل الإعلام، وربما لأن الناس بات عليهم أن يواجهوا تفاصيل لم يعرفوها، قبل التدابير الحكومية، لمواجهة الوباء. القناعة الأكثر دقة هي أنّ الحياة لن تعود إلى ما كانت عليه، إلا إذا كان المجتمع محصّناً من العدوى، إما باكتسابه مناعة طبيعية متينة بعد الإصابة، أو بحقن أفراده بالمطعوم المنتظر.
ما عدا ذلك، فإن على الأميركيين القبول بـ«الطبيعة الجديدة» التي تتشكل الآن من مجموعة من النصائح الطبية الرسمية، والدوافع الذاتية للنجاة، والمعرفة بانتقال الفيروس وانتشاره،، ثم عليهم الاشتباك مع شؤونهم المعيشية اليومية، والعودة إلى العمل والتسوق والتواصل الاجتماعي، وكل ذلك في إطار قوانين وشروط جديدة، إلى أن تنتهي الجائحة تماماً في غضون السنوات الثلاث المقبلة، تبعاً لأكثر التقديرات تفاؤلاً.
في ضوء تجربة ذاتية، من ولاية فيرجينيا الأميركية، حيث أعيش، تبدو «الطبيعة الجديدة» أسلوبَ حياة، وإنْ لم تتضح ملامحه كاملةً حتى الآن. الولاية تقع في المرتبة الـ16 في جدول ترتيب الولايات المصابة، حيث تحتل نيويورك المركز الأول بأكثر من992 ألف إصابة، في حين أن فيرجينيا شهدت تباطؤاً في العدوى خلال مارس وأبريل، إلى أن بلغت الآن نحو 13500 حالة، و460 وفاة. والمقلق، هنا، أنّ الحالات في هذه الولاية كانت قبل ثمانية أيام 8990 فقط!
التباعد أصبح عرفاً اجتماعياً في المشي على الأرصفة، وفي المراكز التجارية، وفي حركة المجموع داخل المساحات المحدودة. الغالبية العظمى من الناس ترتدي الكمامات والقفازات. بعض المجمعات التجارية تلزم زوارها بارتداء الكمامات شرطاً للدخول، هذا، وقد فرضت الإغلاقات الجزئية نمطاً من تأقلم الناس مع الخروج الحذر والضروري من منازلهم، وعدم الجدال في ارتياد المطاعم وأماكن الاكتظاظ.
وإلى هذه المظاهر الأولية لـ«الطبيعة الجديدة»، فإن طول المعركة، مع الفتح الكامل لمختلف القطاعات الاقتصادية، سيطوران وسائل، يجري الآن تجريب بعضها في الحياة الأميركية، مثل إجراء فحوصات الحرارة السريعة للأشخاص عند مداخل المراكز التجارية، وسيكون مثلها في أماكن العمل، وفي بوابات وسائل النقل العام، والمطارات، وخلافه. وسيؤدي ذلك إلى تشجيع العمل من المنازل، وقياس إنتاجيته مجدداً، وكذلك إكمال نظام التعليم عن بُعد، فالحرب ضد العدوى في بداياتها، وسيمر وقت طويل قبل أن تكون التجمعات الجماهيرية الضخمة ممكنة.
غير أنّ الإنسان كائن متكيّف بطبعه، وسيجد القواعد الملائمة لـ«الطبيعة الجديدة»، مثلما سيجد أنّ كثيراً من الصواب الذي كانوا يظنه أمس، ليس إلا خطأً اليوم، وربما يكون ذلك مفيداً للشفاء من فرط الحنين إلى «الطبيعة القديمة».
صحفي أردني
تبدو «الطبيعة الجديدة» تعبيراً ملتبساً وغامضاً، في الدول التي لم تسجل إلا بضع آلاف من الإصابات، أو تلك التي تشهد تباطؤاً في انتشار الفيروس، كما في دول كثيرة في الشرق الأوسط. لكنّ الاصطلاح في بلدان أثخنها الفيروس بالإصابات والضحايا، كالولايات المتحدة وأوروبا، أصبح شائعاً ومتداولاً في الأوساط الأكاديمية (علم النفس الاجتماعي)، والإعلامية، ولدى النخب السياسية والاجتماعية، وهذا لافت طبعاً ومُغرٍ جداً للشركات الرأسمالية، ويثير أسئلةً عن مآلات السلوك الاستهلاكي في العالم الجديد.
تصلح الولايات المتحدة، مثالاً، لوضوح فهم المجتمع لـ«الطبيعة الجديدة» التي هو بصددها. ربما بسبب وفرة المحتوى العلمي في وسائل الإعلام، وربما لأن الناس بات عليهم أن يواجهوا تفاصيل لم يعرفوها، قبل التدابير الحكومية، لمواجهة الوباء. القناعة الأكثر دقة هي أنّ الحياة لن تعود إلى ما كانت عليه، إلا إذا كان المجتمع محصّناً من العدوى، إما باكتسابه مناعة طبيعية متينة بعد الإصابة، أو بحقن أفراده بالمطعوم المنتظر.
ما عدا ذلك، فإن على الأميركيين القبول بـ«الطبيعة الجديدة» التي تتشكل الآن من مجموعة من النصائح الطبية الرسمية، والدوافع الذاتية للنجاة، والمعرفة بانتقال الفيروس وانتشاره،، ثم عليهم الاشتباك مع شؤونهم المعيشية اليومية، والعودة إلى العمل والتسوق والتواصل الاجتماعي، وكل ذلك في إطار قوانين وشروط جديدة، إلى أن تنتهي الجائحة تماماً في غضون السنوات الثلاث المقبلة، تبعاً لأكثر التقديرات تفاؤلاً.
في ضوء تجربة ذاتية، من ولاية فيرجينيا الأميركية، حيث أعيش، تبدو «الطبيعة الجديدة» أسلوبَ حياة، وإنْ لم تتضح ملامحه كاملةً حتى الآن. الولاية تقع في المرتبة الـ16 في جدول ترتيب الولايات المصابة، حيث تحتل نيويورك المركز الأول بأكثر من992 ألف إصابة، في حين أن فيرجينيا شهدت تباطؤاً في العدوى خلال مارس وأبريل، إلى أن بلغت الآن نحو 13500 حالة، و460 وفاة. والمقلق، هنا، أنّ الحالات في هذه الولاية كانت قبل ثمانية أيام 8990 فقط!
التباعد أصبح عرفاً اجتماعياً في المشي على الأرصفة، وفي المراكز التجارية، وفي حركة المجموع داخل المساحات المحدودة. الغالبية العظمى من الناس ترتدي الكمامات والقفازات. بعض المجمعات التجارية تلزم زوارها بارتداء الكمامات شرطاً للدخول، هذا، وقد فرضت الإغلاقات الجزئية نمطاً من تأقلم الناس مع الخروج الحذر والضروري من منازلهم، وعدم الجدال في ارتياد المطاعم وأماكن الاكتظاظ.
وإلى هذه المظاهر الأولية لـ«الطبيعة الجديدة»، فإن طول المعركة، مع الفتح الكامل لمختلف القطاعات الاقتصادية، سيطوران وسائل، يجري الآن تجريب بعضها في الحياة الأميركية، مثل إجراء فحوصات الحرارة السريعة للأشخاص عند مداخل المراكز التجارية، وسيكون مثلها في أماكن العمل، وفي بوابات وسائل النقل العام، والمطارات، وخلافه. وسيؤدي ذلك إلى تشجيع العمل من المنازل، وقياس إنتاجيته مجدداً، وكذلك إكمال نظام التعليم عن بُعد، فالحرب ضد العدوى في بداياتها، وسيمر وقت طويل قبل أن تكون التجمعات الجماهيرية الضخمة ممكنة.
غير أنّ الإنسان كائن متكيّف بطبعه، وسيجد القواعد الملائمة لـ«الطبيعة الجديدة»، مثلما سيجد أنّ كثيراً من الصواب الذي كانوا يظنه أمس، ليس إلا خطأً اليوم، وربما يكون ذلك مفيداً للشفاء من فرط الحنين إلى «الطبيعة القديمة».
صحفي أردني