التنبؤ...استشراف أم صناعة المستقبل؟
هل انتابك هاجس مقلق بساعات قبل حادثة مأساوية؟ وهل يمكننا تجاوز حادثة تراجيدية عن طريق التنبؤ بها مسبقاً؟ يشعر الفرد أحياناً بوقع كارثة وينتابه قلق فجائي دون معرفة أسبابه وهذا ما يطلق عليه «الهاجس المسبق»، وتكمن أهميته أنه يحمل مضامين تحذيرية حدسية تشمل أحياناً مصير البشرية والأوطان. أما إذا أدرك الفرد حادثة غيبية عن طريق أحلام تنبؤية فهذا يعرف «بالإدراك المسبق». ويحدث في الغالب قبل أيام أو ساعات من الحادثة المتوقعة.
وإذا تمعنا في أحداث الماضي سنجد أن كل كارثة كانت مصحوبة بهواجس مسبقة تم التنبؤ بها في مقابلة أو كتاب أو مسلسل تلفزيوني. فعلى سبيل المثال تفاصيل كارثة سفينة تايتانك التي اصطدمت بجبل جليدي في شمال الأطلسي في 14 أبريل 1912، تم التنبؤ بها عام 1898 في رواية «Wreck of the Titan» للكاتب Morgan Robertson. ذكرت الرواية تفاصيل دقيقة لحادثة الغرق، وموقع الاصصدام وعدد الركاب. جاءت مطابقة لتفاصيل حادثة تايتانك. وبعد التحقق، أكد الناجين والغارقين بأن راودتهم هواجس وإدراكات مسبقة، William Thomas Stead صحفي بريطاني -رشح اسمه لجائزة نوبل- راودته هواجس منذ صغره حتى تنبأ بها في إحدى مقالاته بموته على متن سفينة تغرق في المحيط الأطلسي! أما الناجون فقد انتابهم هاجس مسبق بعدم الارتياح قبل السفر، ولكنهم قرروا الصعود على متن السفينة. والبعض الآخر راودتهم أحلام بمصير السفينة، فألغوا حجوزاتهم.
تذكرنا هذه الحادثة بما نمر به اليوم، فقد تم التنبؤ بفيروس كورنا مسبقاً في مصادر عدة. مثلاً، صرحت خبيرة التنبؤات ليلى عبد اللطيف في مقابلة تلفزيونية في عام 2019 عن توقعاتها للعام الجديد 2020 بحتمية انتشار فيروس (وباء) يضر بالجهاز التنفسي. وكذلك تم التنبؤ به في كتاب بعنوان «End of Days: Predications and Prophecies» للكاتبة الأميركية Sylvia Browne عام 2008، وفي رواية «Eye of Darkness» للكاتب الأميركي Dean Koontz لعام 1981. والمسلسل الكرتوني الأميركي عائلة سيمبسون الذي عُرض عام 1989 تعتمد حلقاته على جملة من التنبؤات (ذات المصادر المجهولة)، أشارت إحدى حلقاته إلى انتشار فيروس في أميركا عن طريق شحنات تجارية مصدرة من الصين إلى نيويورك. وكذلك الفيلم الشهير«العدوى» «Contagion» الذي عرض عام 2011 وتناول فكرة فيروس ينتقل من الصين إلى أميركا! كذلك «بابا فانغا» العرافة البلغارية التي تنبأت بانتشار فيروس يكتسح العالم في عام 2020. بشكل عام، إن الهواجس والإدراكات التنبؤية تم التعامل معها إما من منطلق الجدية كما فعلت بريطانيا وأميركا، حيث أنشأت المكتب البريطاني للهواجس المسبقة بعدما كثرت التبلغات عن هواجس بوقع كوراث أهملتها الحكومة البريطانية وأشهرها كارثة «أبرفان»، وكذلك تم تأسيس المكتب المركزي للهواجس المسبقة بأميركا. وينقسم البشر حول ظاهرة التنبؤ بين إنكارها لتعذر فهم آلية التعامل مع الهواجس استناداً إلى المنهج العلمي وبين مسلمين بوجود الظاهرة.
إن ظاهرة التنبؤ تستحق وقفة بأنها ليس ثابتة بل يمكن تغييرها بالإرادة الحرة، ولكن الأمر الخفي والخطر في ظاهرة التنبؤ إذا تم تداول التنبؤات وتفاعل معها البشر على نطاق واسع، فإن الحدث المتنبئ به يُخزن في العقل الباطن ويتحول إلى معتقد خفي ثم يتجلى في الكون ويتحقق. فالتنبؤ بأحداث مستقبلية ليس أمراً ثابتاً بقدر ما هو صناعة المستقبل. قال رسول الله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت»، فلنعر أهمية لكلامنا فهو يصنع مستقبلنا.
*أكاديمية وكاتبة وعازفة