السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

علي يوسف السعد يكتب: عاد بي الزمان.. إلى القيروان

علي يوسف السعد يكتب: عاد بي الزمان.. إلى القيروان
9 يوليو 2024 00:56

تخيلوا لو أن بوابة زمنية نقلتنا إلى الماضي، حيث نجد أنفسنا في مدينة القيروان، هذه الجوهرة التونسية التي تنبض بالحياة والتاريخ، وقفتُ هناك للحظة أتأمل المدينة من حولي، وأشعر بأن الزمن قد توقف، وأن كل زاوية من زواياها تروي قصة، سآخذكم في رحلة تخيلية سريعة.
بدأت رحلتي من المسجد الكبير «الجامع الأقصى»، الذي يُعد من أقدم المساجد في العالم الإسلامي ومنارة العلم والدين، تحيط به أروقة طويلة وساحات واسعة، وتعلوه مئذنة تخترق السماء، كأنها تحكي للسماء عظمة هذا المكان، الهدوء يسود المكان، متخللاً صوت المؤذن الذي يصدح في الأفق، داعياً الناس إلى الصلاة والعبادة والتأمل.
خرجت من المسجد متجولاً في شوارع القيروان الضيقة، حيث تتلاقى الحضارات والثقافات، الأسواق الشعبية تعج بالحرفيين والباعة، كل منهم يعرض بضائعه بفخر: السجاد المزركش بألوانه الزاهية، الفخار الذي يحكي قصص الأجداد، والحلويات التقليدية التي تفوح منها رائحة الياسمين والورود.
أتابع خطواتي نحو بركة الأغالبة، هذا الصرح الهندسي القديم الذي كان يوماً مركزاً لتوفير المياه للمدينة، البركة الآن ملاذ للطيور التي تحلق حولها، ومكان للسكينة والتأمل، أجلس على حافّتها، أراقب انعكاس المدينة على سطح الماء، وكأن الزمن يمر ببطء مخلداً جمال هذه اللحظة.
توجهت بعدها نحو أسوار المدينة العتيقة، وقد شهدت على مر العصور صراعات وانتصارات، ولا تزال تحتفظ ببعض من ملامحها القديمة، المدينة بأسوارها وأبوابها تشبه قلعة زمنية تحمي داخلها كنزاً من التاريخ والثقافة.
عندما تخطو إلى القيروان، تجد نفسك محاطاً بأروقة التاريخ التي تعود إلى العهد الأموي في القرن السابع الميلادي، حين أسسها عقبة بن نافع الفهري، القائد العربي الشهير، كقاعدة عسكرية ومركز لنشر الإسلام في شمال إفريقيا، وسرعان ما تحولت المدينة إلى مركز علمي وثقافي جذب العلماء والشخصيات المهمة عبر العصور. وأنا أسير في شوارعها، تخيلت نفسي أعيش في عصر الأغالبة الذين حكموا القيروان، وجعلوها عاصمة لدولتهم في القرن التاسع الميلادي، كان إبراهيم الأغلبي -مؤسس الدولة الأغلبية - يمشي على نفس هذه الأرض، محاطاً بعلماء وشعراء ذلك الزمان.
مررت بجانب المسجد الكبير، وتخيلت العلماء العظام كالإمام سحنون بن سعيد، والإمام النفري، اللذين اجتمعا في هذا المكان لنقاش الفقه والحديث، وساهما في تأسيس مدرسة القيروان الفقهية، والتي كان لها الأثر الكبير في العالم الإسلامي.
بينما كنت أتجول في أزقة القيروان القديمة، تخيلت الأمراء والخلفاء الذين مروا بهذه الشوارع، مثل زيادة الله الأول، الخليفة الأغلبي، الذي أمر ببناء الجامع الكبير، وهو أحد أروع المعالم الإسلامية في شمال إفريقيا.
توقفت للحظة أمام بركة الأغالبة، وتخيلت الأمير أبو إبراهيم أحمد، الذي أمر ببنائها لحل مشكلة نقص المياه في المدينة، مما يظهر الاهتمام الكبير بالعمارة والهندسة في ذلك الوقت.
وبينما تستمر رحلتي في أرجاء القيروان، أشعر بأنني لست مجرد زائر في مدينة عريقة، بل مشاركاً في تاريخ عظيم، ففي كل زاوية وكل شارع قصة عن العلم والثقافة والدين.
 القيروان بكل تاريخها وعظمائها، تقدم ليس فقط درساً في التاريخ، بل إلهاماً يتجاوز الزمان والمكان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©