يعرّف الدستور بالقانون الأعلى، ومن مكانه العالي يهمين الدستور على كافة القوانين، فلا يصدر أي قانون بالمخالفة لأي قاعدة دستورية. فإذا نصّ الدستور على أن الدولة عربية، فلا يجوز أن يصدر قانون يقضي باستخدام لغة غير العربية في التعاملات الرسمية. وإذا نصّ الدستور على مجانية التعليم، فلا يجوز أن يصدر قانون ينظم الشؤون التعليمية يتعارض مع ذلك المبدأ الدستوري.
ويلاحظ في غالبية الدساتير العربية محورية الإسلام كدين للدولة، أو مرجعية الشريعة كمصدر للتشريع وسنّ القوانين فيها. ومن هذا المنطلق، يعود المشرع إلى مبادئ الإسلام أو أحكام الشريعة كلما كان بصدد إصدار قانون في أي شأن من شؤون الحياة، فيراعي التوافق أو عدم التعارض بين القانون ومبادئ الإسلام أو أحكام الشريعة.
وإذا كان الأمر كذلك، فلمَ تتباين القوانين العربية من حيث مدى توافقها أو عدم تعارضها مع مبادئ الإسلام أو أحكام الشريعة؟ والسؤال بطريقة أخرى: ألا يفترض أن تكون القوانين العربية واحدة ما دامت دساتير الدول العربية تنص على دين الدولة ومصدر التشريع فيها؟
الإجابة عن هذا السؤال تكمن في كيفية معالجة الدستور لمبدأ إسلامية الدولة ومرجعية الشريعة، إذ تذهب الدساتير العربية في ثلاثة اتجاهات، ويظهر أثر هذه الاتجاهات المختلفة في القوانين التي تصدرها هذه الدول بعد ذلك.
الاتجاه الأول في الدساتير العربية يتخذ من الإسلام ديناً، ومن الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع، ومثال هذا الاتجاه هو النظام الأساسي في المملكة العربية السعودية، والدستور اليمني. فالأول ينص على أن الحكم يستمد «سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة»، والثاني ينص على أن «الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات».
والاتجاه الثاني في الدساتير العربية يتخذ من الإسلام ديناً للدولة، ومن الشريعة مصدراً رئيسياً للتشريع فيها. وأكثر الدساتير العربية من هذا الاتجاه، كدساتير دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة الكويت ومملكة البحرين وجمهورية العراق وجمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية. فرغم اختلاف النص المعبّر عن هذا الاتجاه في دساتير هذه الدول، فإن معناها واحد.
والفارق بين الاتجاه الأول والثاني يكمن في أن الثاني لا يحصر مرجعية القوانين في الشريعة، ويقبل أن تكون هناك مصادر أخرى للقوانين، كالعُرف السائد، ومبادئ القانون الطبيعي، ومبادئ العدالة، والاتفاقيات الدولية. ومع ذلك، إذا وُجد نص صريح في الشريعة، فله الأولوية كمصدر للقانون.
أما الاتجاه الثالث في الدساتير العربية فينص على أن الإسلام دين الدولة، ولا يضع قاعدة ملزمة حول مصدر التشريعات، كالدستور الأردني والمغربي والجزائري والتونسي. ومن حيث إسلامية الدولة، يراعي المشرع عموماً وبالإجمال ألا يسنّ قانوناً يتعارض مع دين الدولة، ومن حيث عدم النص على مصدر التشريعات، يمكن أن يستقي المشرع أحكام القوانين من مصادر مختلفة.
والفارق بين الاتجاه الثاني والثالث أن الطعن بعدم دستورية القانون الصادر في ظل الاتجاه الثالث لاعتماده على مصدر غير شرعي مسألة فيها نظر، وقد لا يقبل الطعن بعدم دستورية القانون، فما دام الدستور لم ينص على مصدر للقوانين، فقد أعفى المشرع من ذلك الإلزام.


*كاتب إماراتي