في مشهد يعكس تحديات العصر وطموحات التغيير، أطلق الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، مبادرة نوعية، من خلال مؤتمر عالمي بعنوان «تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة: التحديات والفرص»، والذي انعقد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد يومي 11 و12 يناير 2025، برعاية وحضور دولة رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف. وجاء المؤتمر كمنصة تجمع نخبةً من العلماء والمفكرين والدبلوماسيين ونشطاء المجتمع المدني لتسليط الضوء على أزمة تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة، خاصة في أفغانستان التي واجهت سياسات صارمة تحرم الفتيات من حقهن في التعليم.
إن اختيار باكستان لاستضافة المؤتمر كان ذا بعد استراتيجي يعكس دورها المحوري في التأثير على سياسات حركة «طالبان» وتوجهاتها الفكرية، حيث حمل المؤتمر رسالةً واضحة تدعو إلى مراجعة الممارسات التي تعيق تعليم الفتيات، وتؤكد أن هذه الممارسات تتناقض مع المبادئ الإسلامية التي جعلت من التعليم حقاً وواجباً شرعياً للجميع دون تمييز.
وشهد المؤتمر حضوراً ذا رمزية خاصة تمثل في مشاركة ملالا يوسفزاي، الناشطة الباكستانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، التي ألقت كلمةً مؤثرةً أكدت فيها أن التعليم هو السلاح الأقوى لمواجهة الفقر والتطرف. وقد تحدثت ملالا عن تجربتها الشخصية في مواجهة التطرف، مؤكدةً أن حرمان الفتيات من التعليم لا يمثل خرقاً لحقوقهن فقط، بل يعَد جريمةً ضد مستقبل المجتمعات بأسرها.
حضور ملالا أضفى على المؤتمر بعداً إنسانياً وأخلاقياً، معززاً رسالة الحدث ودوره في تسليط الضوء على أهمية التعليم في حياة الأفراد والمجتمعات. ولا شك في أنه في منطقة تموج بالاضطرابات الفكرية والصراعات الثقافية، يشكّل وجود ملالا رسالةً قوية بأن إرادة التغيير ممكنة.
وفي كلمته أمام المؤتمر، شدد الدكتور العيسى على أهمية التعليم في الإسلام، مؤكداً أنه ليس مجرد حق، بل هو واجب شرعي وأخلاقي لا يفرّق بين رجل وامرأة. وبيّن أن المرأة المسلمة شريكة في بناء الحضارة، وأن حرمانها من التعليم يتناقض مع قيم الإسلام الأصيلة. ودعا العيسى إلى تضافر الجهود بين الحكومات والمؤسسات الإسلامية والمنظمات الدولية لمواجهة العوائق الثقافية والاجتماعية التي تعيق تعليم الفتيات، واصفاً هذه الممارسات بأنها مفاهيم دخيلة لا تمت للإسلام بصلة.
واستند المؤتمر في رؤيته إلى وثيقة مكة المكرمة، التي أكدت أن التعليم أساس التنمية وحق مكفول لكل إنسان. كما اعتمد على وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية التي شددت على تعزيز حقوق المرأة، وعلى رأسها الحق في التعليم. وتخلل المؤتمر توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات بين منظمات إسلامية ودولية تهدف إلى تنسيق الجهود وتحقيق نتائج ملموسة.
ورغم الأمل الكبير الذي أبداه المؤتمرون، يبقى التساؤل حول إمكانية نجاح هذه المبادرة في كسر القيود العميقة التي تعيق تعليم الفتيات وتحقيق تحول جذري. والإجابة تعتمد على التزام قيادات المجتمع المدني بتحقيق هذه الرؤية النبيلة. والمؤكد أن التعليم سيظل مفتاح التقدم ومصدر الأمل لبناء مستقبل أفضل وأكثر عدلاً.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة