القانون المعدل للأحوال الشخصية لعام 2024 في دولة الإمارات العربية المتحدة يمثل نقلة نوعية في التشريعات الإسلامية، حيث يجمع بين مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها وبين حاجيات المجتمع المعاصر. هذا التوجه الإصلاحي يجسد حرص القيادة الرشيدة على تحقيق التوازن بين متطلبات العصر ومبادئ الشريعة التي تقوم على تحقيق العدل والمساواة وصيانة الحقوق. إن هذا القانون يعكس رؤية مستنيرة تهدف إلى تعزيز استقرار الأسرة وحمايتها باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع.
ومن أبرز الجوانب التي يظهر فيها التناغم بين مقاصد الشريعة الإسلامية وحاجيات المجتمع المعاصر، هو التركيز على حقوق المرأة واستقلاليتها المالية. فقد نص القانون على أن المهر ملك خالص للمرأة، ما يعزز مكانتَها ويمنحها استقلالاً اقتصادياً، وهو ما يتماشى مع مقاصد الشريعة التي تؤكد على حفظ المال وصيانة الكرامة. كما أقر القانون استقلال الذمة المالية للمرأة، ما يجعلها شريكة متساوية في الحياة الزوجية، وهو ما ينسجم مع تطورات العصر الذي يولي أهمية كبيرة لدور المرأة في المجتمع.
وفي جانب الطلاق، أتى القانون بمبادرات تعكس روح التجديد والاجتهاد في الفقه الإسلامي. ومن ذلك إلغاء الطلاق المتكرر، وفقاً للمذهب المالكي الذي يشدد على وقوع الطلاق مرة واحدة في المجلس الواحد. هذا الإجراء يهدف إلى حماية الأسرة من القرارات الانفعالية والمتسرعة، ويؤكد مقاصد الشريعة في حفظ الأسرة واستقرارها. كما أن إلزامية توثيق الطلاق، خلال فترة محددة، تسهم في ضمان حقوق الطرفين وتقليل النزاعات، ما يرسخ العدالة ويحقق المصلحة العامة.
القانون المعدل أخذ بعين الاعتبار أيضاً تطورات العصر من خلال تبنيه بعض الإصلاحات المتعلقة بولاية الزواج. فقد حافظ على وجود الولي كجزء من التقاليد الإسلامية، لكنه منح القاضي سلطة تزويج المرأة إذا تعنت الولي دون مبرر. هذه الخطوة تحقق التوازن بين احترام التقاليد وضمان حرية المرأة في اختيار شريك حياتها، ما يعكس التزام الشريعة بحفظ النفس والكرامة وتحقيق المساواة.
وقدّم القانون حلولاً عملية لتقليل النزاعات الزوجية، من خلال إلزام الأطراف باللجوء إلى مراكز الإصلاح الأسري قبل رفع الدعاوى القضائية. هذا الإجراء يعزز ثقافة الحوار والإصلاح، وهو ما يتماشى مع مكارم الشريعة التي تدعو إلى التسامح والتفاهم، ويحقق مصلحة المجتمع في تقليل الآثار السلبية للنزاعات الأسرية على الأبناء والمجتمع ككل.
ومن الجوانب المهمة في القانون أيضاً تقليص مدد الغيبة اللازمة لطلب التطليق، حيث تم تحديدها بستة أشهر فقط بدلاً من سنوات. هذه الخطوة تتفق مع مقاصد الشريعة التي تضع مصلحة الأسرة في صدارة الأولويات، وتراعي الحاجات الاجتماعية والإنسانية للطرفين.
إن هذا القانون، في جوهره، ليس مجرد مجموعة من النصوص التشريعية، بل رؤية حضارية تعكس فهماً عميقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين الفرد والمجتمع. كما أنه يعكس قدرة الإمارات على تقديم نموذج رائد في صياغة تشريعات تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتقدم حلولاً عملية تتماشى مع متطلبات العصر، وتحافظ على القيم الإسلامية الراسخة.
وبهذا القانون، تثبت دولة الإمارات مجدداً ريادتَها في مجال التشريع الإسلامي، إذ تجمع بين الاجتهاد الشرعي والتفكير العملي، ما يضمن تحقيق استقرار الأسرة وسعادة الأفراد وازدهار المجتمع. إنه قانون يعبر عن رؤية قائد حكيم وقيادة تسعى إلى بناء مجتمع قوي ومتماسك، يعكس روح الإسلام في تحقيق العدالة والرحمة والمساواة.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة