يمثل تصفير البيروقراطية نقلة نوعية تسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة وشفافية العمليات الإدارية المتعلقة بالمشاريع والخدمات البيئية، إذ يتيح هذا التحول تنفيذ المشاريع بشكل أكثر نزاهة وموضوعية، ويمنع اتخاذ قرارات قد تتعارض مع اللوائح أو المصلحة العامة، عبر اعتماد نظام مؤسسي قائم على قواعد واضحة ومصداقية عالية.
ويساعد تسريع الموافقات اللازمة من أجل إنشاء محطات معالجة المياه العادمة وتوسعتها، على سبيل المثال، على منع تعرض السكان للمياه الملوثة والروائح الكريهة التي تنبعث غالباً من هذه المرافق، نتيجة سوء التشغيل أو الصيانة أو تقادم المنشأة وتعرضها لأحمال تفوق قدرتها التشغيلية. كما تسهم هذه الخطوة في منع الأمراض المرتبطة بالتلوث، مثل التهابات الجهاز الهضمي والأمراض المزمنة، وتحسين جودة الهواء والمياه، وهو ما يعزز صحة المجتمع وسلامته.
أما في مجال الإدارة المستدامة للنفايات، فنرى الدور الذي يضطلع به تبسيط الإجراءات في تسريع إنشاء مرافق حديثة للإدارة المستدامة للنفايات وتوسعتها، مع تطبيق أنظمة فعالة لفرز النفايات من المصدر. وتساعد هذه المرافق على منع تراكم النفايات في المدافن المفتوحة وغير المصممة هندسياً، ما يؤدي إلى حماية التربة والمياه الجوفية من التلوث، ويَحُد من الروائح الكريهة الناتجة من النفايات. وإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الجهود إلى مواجهة مشكلة نقص الأراضي المتاحة بطريقة تحقق الاستخدام الأمثل للموارد، وتدعم استدامة المشاريع البيئية.
ويعد تصفير البيروقراطية خطوة أساسية على طريق تسريع الطريقة التي تُنفَّذ بها المشاريع المرتبطة بسلامة الغذاء والأمن الغذائي، بما يشمل الموافقات على مشاريع الزراعة الحديثة، وإنشاء منشآت تخزين ومعالجة الغذاء أو تطويرها. كما تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان التزام المنشآت المعايير المطلوبة، ما يعزز جودة المنتجات الغذائية المقدمة للمستهلكين.
ويكمن أحد الجوانب المحورية لهذه الخطوة في تطبيق نظام تفتيش منهجي وموضوعي يمنع أي تلاعب في تقارير التفتيش، أو سوء التقدير في أثناء تقييم المنشآت، إذ يساعد هذا النظام على الحد من مخاطر التلوث الغذائي وسوء التخزين، وهما عاملان رئيسيان يؤديان إلى مشاكل، مثل تلف الغذاء، وحالات التسمم الغذائي، وانتشار الأمراض المنقولة عبر الغذاء، مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية.
وتتمثل المزيّة الكبرى لتصفير البيروقراطية في التحول من نظام يعتمد على القرارات الفردية إلى نظام مؤسسي يعتمد على قواعد واضحة ذات مصداقية، بحيث يضمن هذا التحول تصميم المشاريع والخدمات البيئية وتنفيذها وتشغيلها بشكل مؤسسي ومستدام، بما يحقق توازناً بين احتياجات المجتمع وحماية البيئة. كما يضمن تقديم حلول فعّالة ومستدامة يمكن تنفيذها في إطار زمني معقول لا على مدى عقود طويلة، إضافة إلى أنه يمنع التكاليف الزائدة وغير الضرورية للمشاريع التي تؤدي إلى هدر الموارد المالية.
ولا يعد تصفير البيروقراطية مجرد خطوة نحو تحسين العمليات الإدارية، بل هو رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز كفاءة المشاريع والخدمات البيئية، وحماية الموارد الطبيعية، وحماية الصحة العامة من التعرض للتلوث البيئي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأجيال الحالية والقادمة.
*مدير عام معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب، مؤلف كتاب «قادة التنمية المستدامة» - خبير حماية البيئة والتنمية المستدامة -مؤسس معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب - نائب رئيس جمعية الباحثين