وجهت مجموعة «أوبك+» في اجتماعها الأخير الذي عقد الأسبوع الماضي رسائل قوية لأسواق النفط، أولها مفاده أن هذه الدول متماسكة ومتفقة على بقاء أسعار النفط فوق 70 دولاراً للبرميل، حفاظاً على مصالحها، وأنها قادرة على ضمان توازن السوق تحت مختلف الظروف، وهو ما دعا بنك «مورغان ستانلي» للقول بأن هذا القرار «يعد مؤشراً قوياً على إصرار المجموعة على استقرار السوق»، مضيفاً أن «النصف الأول من العام القادم سيشهد فائضاً أقل، كما رفع تقديراته لسعر برميل النفط بعد اجتماع المجموعة من 66 إلى 70 دولاراً للبرميل»، كما أبقى بنك «غولدمان ساكس» على توقعاته السابقة لمتوسط سعر نفط برميل برنت عند 76 دولاراً للبرميل لعام 2025.
وثاني هذه الرسائل طمأنة المستهلكين بقدرتها على ضمان إمدادات كافية من النفط، وأنها تملك القدرات الإنتاجية اللازمة لذلك، حيث قال بنك «ستاندرد تشارترد» إن «أوبك+» قدمت الضمانات اللازمة للمحافظة على الإمدادات، وهذه مسألة مهمة لاستقرار أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي ككل.
أما الرسالة الثالثة والأكثر أهمية، فتتعلق بتماسك دول المجموعة وتضامنها والتزامها بالتخفيضات وبحصص الإنتاج المعتمدة، وذلك بعد التشكيكات العديدة حول تفاوت المواقف بين أكبر المنتجين للنفط أو الحديث حول انسحاب بعضهم، حيث أثبتت التطورات عكسه تماماً، وهو ما أكده بنك «يو بي اس» قائلاً إن قرار المجموعة «يعد مؤشراً على تماسك التحالف».
لقد سبق وأن أشرنا إلى ضرورة بقاء دول المجموعة متماسكةً للحفاظ على الأسعار العادلة، ولتجنّب تأثر اقتصادياتها في حالة تدنيها إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، حيث يعد هذا التماسك القاعدةَ الأساسية القوية لهذا التوجه، حيث ساعد تراجع بعض الدول عن تجاوزاتها السابقة لحصصها الإنتاجية إلى ارتفاع الأسعار، وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية.
ولمعرفة تفاصيل هذه التوجهات، فإن حيثيات قرارات «أوبك+» تتعلق بالاتفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً لمدة عام إضافي، أي حتى نهاية عام 2026 بدلاً من نهاية عام 2025، وذلك إضافةً إلى تخفيضات طوعية التزم بها ثمانية أعضاء تقدر بنحو 2.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية مارس القادم بدلاً من يناير، وهو ما يعني وصول إجمالي التخفيضات إلى 4.2 مليون برميل يومياً، وبالتالي سحب نسبة كبيرة من المعروض النفطي، وبقاء مستوى إنتاج دول المجموعة عند 39.7 مليون برميل يومياً، لضمان توازن العرض والطلب، ما سيدعم الأسعار الحالية واستقرار اقتصاديات دول الأعضاء، وهي مسألة مهمة في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية المتأزمة في العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.
ومع أنه من غير المتوقع أن تؤدي هذه القرارات إلى ارتفاع كبير في الأسعار بسبب تقلبات مستوى الطلب لأسباب اقتصادية وأمنية، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 0.55% فقط إلى 72.7 دولار للبرميل نهاية الأسبوع، إلا أنه من المهم بقاء الأسعار عند معدلاتها الحالية وتجنب انخفاضها إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، وهي مسألة حاسمة تسعى «أوبك+» إلى المحافظة عليها بشتى الطرق والإجراءات.
ولضمان ذلك، أعلنت الدول الأعضاء كافة التزامَها بحصص الإنتاج، ودعمها للصلاحيات الممنوحة للجنة مراقبة الإنتاج، مع الحرص على إجراء تقييم للأسواق ومستويات الإنتاج، وفقاً لتطورات السوق للمحافظة على توازنها من جهة، وعلى معدلات الأسعار من جهة أخرى.
ورغم ذلك، فإن هناك العديد من العوامل التي ستساهم في بعض التقلبات للأسعار، والتي قد يكون بعضها حاداً، كالتوجهات الجديدة في شؤون الطاقة لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يتسلم منصبه في 20 من يناير القادم، وكذلك حجم الطلب في الاقتصاديات الكبيرة، وبالأخص الاقتصاد الصيني، علاوة على التطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن أسعار النفط ستشهد بعض التقلبات في الأشهر القادمة، إلا أنه في المجمل ستظل أسعار النفط محافظةً على معدلاتها الحالية، ما يعد مكسباً كبيراً لدول «أوبك+» وللبلدان المنتجة للنفط بشكل عام.
*خبير ومستشار اقتصادي