تُعَدُّ الأسرة الحاضن الأول للفرد، والمنشأ الرئيسي الذي تتشكل فيه ملامح شخصيته، ويُحدَّد عبرَه مساره المستقبلي، ما ينعكس على حالة المجتمع بوجه عام، ومن هذا المنطلق كان لا بدَّ من الاهتمام بدراسة الأسرة بصفتها الخلية الأولى لبناء المجتمع، وبحث كل ما يحيط بها ضمن إطار التماسك الأسري الذي يمثل الضامن الأساسي لبناء أسرة مترابطة تلبِّي حاجات أفرادها، وتُعدُّهم لأداء أدوارهم في المستقبل، بما يسهم في ترسيخ مجتمع متماسك ومتلاحم، وهذا هو الهدف المشترك الذي تسعى إليه جميع مجتمعات العالم.
وفي السياق نفسه، تنطلق أهداف الدول، في مختلف سياساتها الاجتماعية، من ضرورة الوصول إلى مراحل متقدمة من التلاحم المجتمعي، الذي يبدأ باستقرار الأسرة وتماسكها أولاً، ثم يتحول هذا التماسك ركيزةً لمجتمع قوي؛ ما يسهم في الرقي بالمجتمعات، وتطورها واستقرارها، وتحقيق أعلى المعدلات في التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها فيها، ويعود بالنفع على الدولة وأفرادها؛ ولهذا يولِي الباحثون في علم الاجتماع اهتماماً بالغاً للتماسك الأسري، ومكوناته، وتحدياته، ويعكفون على دراسته وتطوير أدواته، جنباً إلى جنب دراسة التلاحم المجتمعي والوطني، وتحليل واقعه، وتقديم التوصيات المناسبة بشأنه.
وبناءً على ما سبق، واستناداً إلى الرؤية العلمية في دراسة المجتمعات، يتجلَّى حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على دعم البناء الأسري على وجه الخصوص في المادة (15) من الدستور التي تنص على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها، ويصونها، ويحميها من الانحراف»، والمادة (16) التي جاء فيها أنه «يشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة، ويحمي القُصَّر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم لسبب من الأسباب كالمرض، أو العجز، أو الشيخوخة، أو البطالة الإجبارية، ويتولى مساعدتهم وتأهيلهم لمصالحهم ومصالح المجتمع. وتنظم قوانين المساعدات العامة والتأمينات الاجتماعية هذه الأمور»، فضلاً عن مواد أخرى غير مباشرة تُعنى بتسخير الإمكانيات والفرص الداعمة لبناء أسر متماسكة، ومجتمع متلاحم مستدام؛ عن طريق توفير التعليم والرعاية الصحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الأمن المجتمعي، والانتماء الوطني، وتقديم التسهيلات الاقتصادية، وهي عوامل تسهم في استدامة التنمية الاجتماعية، ورفع مستوى المعيشة، والارتقاء بجودة حياة المواطنين، وتحقيق الرخاء لهم.
ولا شك في أن هذه الجهود مجتمعةً تُعزز مقومات التماسك الأسري، وترسخ قِيم التلاحم المجتمعي في نفوس أفراد المجتمع على مستوى كل الأنظمة الاجتماعية التي تؤدي أدواراً تشاركية وتكاملية أساسها التلاحم، إضافةً إلى الارتقاء بقدرات الأسرة الإماراتية لتنشئة أجيال واعدة قادرة على تحمُّل مسؤولياتها، وصولاً إلى تحقيق الأهداف المنشودة من التماسك الأسري، لا سيَّما تكوين مجتمع إماراتي متلاحم يعتز بهويته، وينتمي إلى أسرته ووطنه.
*أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية