تميزت المرأة الخليجية تاريخيّاً بحضورها الفعَّال في شتَّى جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولم تكن بعيدة عن مجرى الأحداث والتحولات التي مر بها المجتمع الخليجي في العقود الماضية؛ كما أنها أثبتت، عبر مختلف هذه المراحل التاريخية، أنها ليست مجرد متلقٍّ للتغيرات التي شهدتها مجتمعات دول الخليج العربية؛ بل كانت فاعلاً أساسياً، وشريكاً حقيقياً في صياغة ملامح الحاضر، واستشراف آفاق المستقبل؛ إذ وسَّعت نطاق مشاركتها في المجالات التعليمية والعملية؛ ما عزَّز دورها بصفتها محركاً رئيسياً للتغيير والتنمية؛ وأسهمت في بناء نهضة تنموية متكاملة تعكس طموحات دول الخليج، وتوجهاتها الحديثة، وتأتي هذه المشاركة النشطة والفعَّالة لتؤكِّد أن المرأة الخليجية لم تكن يوماً على الهامش، بل كانت -ولا تزال- في صميم الحركة التنموية؛ تواكب التغيرات، وتُسهم في صناعتها.
وقد اهتمَّت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتفعيل دور المرأة وتعزيزه في كُل مناحي الحياة؛ بحيث استطاعت -برغم التحديات- تحقيق العديد من الإنجازات في مجال تمكين المرأة؛ وبدأت ملامح التغيير تبرز بوضوح مع الطفرات الاقتصادية الناتجة من اكتشاف النفط؛ إذ وفَّرت هذه الطفرات فرصاً تنموية واسعة النطاق، ودفعت الحكومات الخليجية إلى الاستثمار في قطاعات البنية التحتية، والتعليم، والصحة. ومع هذا التحول أخذت المرأة الخليجية تدخل ميادين التعليم العالي بشكل أكبر؛ ما أسهم في إعداد جيل جديد من النساء المتعلمات والمؤهلات لسوق العمل.
وبالتدريج شاركت المرأة الخليجية في نهضة المجتمع، وحققت إنجازات عديدة وكبيرة على جميع الصعُد في زمن قياسي مقارنة بغيرها في كثير من الدول؛ وتولَّت مناصب قيادية عُليا، وباتت عنصراً مهماً ومؤثراً في مسيرة التطوير والتنمية؛ حتى أصبحت اليوم نائبة ووزيرة وسفيرة وطبيبة ومهندسة، وصاحبة أعمال أيضاً بعد أن أثبتت قدراتها، وتحدَّت جميع العقبات والصعاب، واستحقت بجدارة احترام أفراد المجتمع الخليجي كافةً؛ بل إنها خاضت حتى مجالات كانت تُعدُّ حساسة اجتماعيّاً، مثل القضاء والشرطة والدبلوماسية؛ وقد جاءت هذه المشاركة نتيجة إدراك القيادات والمؤسسات السياسية والمجتمعات الخليجية أن المرأة تشكل ركنًا رئيسيًّا من أركان التنمية.
ونظراً إلى أن قضية المرأة الخليجية حظيت باهتمام واسع وكبير؛ فقد عملت دول الخليج على وضع قوانين وتشريعات تكفل مشاركتها في عمليات التنمية الشاملة، ونصَّت الدساتير والأنظمة الخليجية على المساواة بين جميع المواطنين إناثاً وذكوراً في الواجبات والحقوق، حتى أصبح للمرأة الحق في التعلم والعمل في مجالات عدَّة؛ فضلًا عن حق التملك وإدارة الأعمال، وغير ذلك من المكتسبات.
ومن جهة أخرى أسهمت التحولات الاقتصادية في تعزيز مفهوم الاستقلال الاقتصادي للمرأة؛ إذ أصبحت كثير من النساء الخليجيات اليوم صاحبات أعمال، أو مديرات في شركات كبرى، أو حاضرات بفاعليَّة في المبادرات المجتمعية والتنموية؛ وكذلك لعبت التغيرات التكنولوجية، ولا سيَّما التحول الرقمي، دوراً محوريّاً في تمكين المرأة؛ ذلك أنها وفَّرت فرصاً جديدة للعمل من بعد، والتعليم الإلكتروني، والمشروعات الريادية عبر الإنترنت.
ولا يمكن إغفال دور المرأة الخليجية في العمل المجتمعي والإنساني؛ فقد أثبتت أنها عنصر فاعل في دعم الفئات المحتاجة، وكانت لها مشاركات رائدة في المبادرات الوطنية كشفت عن مدى كفاءتها في القطاعات الصحية، والتعليمية، والإدارية، وغيرها.
إن المرأة الخليجية تمثِّل قدوة يُحتذى بها في قدرتها على تجاوز العقبات التقليدية، والتركيز على تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية؛ ما انعكس إيجابيًّا على المجتمع كله؛ فالاستثمار في تعليم المرأة، وتعزيز مشاركتها في مختلف المجالات، كان لهما دور بارز في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بل في تقديم نماذج ملهِمة للأجيال المقبلة أيضاً.
وتبقى الآمال معقودة على المستقبل؛ إذ يمكن للمرأة الخليجية أن تواصِل توسيع آفاقها، وتحقيق إمكانياتها من أجل تعزيز دورها البنَّاء في المجتمع؛ ولتكون شريكةً في التغيير الإيجابي، والابتكار في المجالات كلِّها.
*أكاديمية ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي بجامعة الشارقة.