يُحسب التقدم والانتقال إلى أوضاع أرقى في حياة الشعوب والدول بمقاييس عدة، لكن منجزات الذكاء الاصطناعي صارت أهم هذه المقاييس في السنوات الأخيرة. ولا غرو في ذلك، فالذكاء الاصطناعي نقلة نوعية وليست كميةً فقط في مسار الثورة الصناعية التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر، وهو لهذا قاطرة التقدم الأولى والأكثر سرعة في وقتنا الراهن.
وليست جديدةً الاختراقات التي تحققها دولة الإمارات في مسيرتها، لكن منجزاتها في مجال الذكاء الاصطناعي لا تُضاهَى، برغم أهمية كل ما حققَّته في هذه المسيرة على جميع الصعد. منجزاتٌ تحدثت عن نفسها، وُسجلت في مؤشرات التقدم في عالمنا. وليس أدل على ذلك من الاختراقين الجديدين اللذين تزامنا مع الاحتفال بعيد الاتحاد الثالث والخمسين للدولة قبل ثلاثة أيام. اختراقان عالميان يدلان على أن الدولة تمضي في الاتجاه المُخطَط له في استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي أُطلقت في أكتوبر 2007، من أجل تسريع معدلات تحقيق مُستهدفات رؤية مئوية الإمارات 2071، التي بدأت بعض ثمارها في الظهور بالفعل.
هذا ما تُفيدنا به نتائج اثنين من أهم المؤشرات في مجال الذكاء الاصطناعي على المستويين المايكرو والماكرو أو الجزئي والكلي. فقد جاءت دولة الإمارات في المركز الخامس من بين الدول الست والثلاثين الأكثر استثماراً في هذا المجال، حسب مؤشر معهد ستانفورد لعام 2024، بعد الولايات المتحدة والصين وبريطانيا والهند، وقبل دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا واليابان، وهي دول سبقت زمنياً إلى هذا المجال، لكن دولة الإمارات سبقتها موضوعياً وجاءت قبلها.
وتكمن أهمية هذا المؤشر في تركيزه على الجانب الأكثر أهمية وهو الإنسان. ولهذا فإن طابعه الجزئي يزيد أهميتَه، بعكس ما قد يتصوره البعض. فالإنسان هو غاية كل عمل من أجل المستقبل. وهو أيضاً مُبتكر الذكاء الاصطناعي والمستفيد من منجزاته في آن معاً، ويهتم هذا المؤشر بالتالي بمدى وجود بنية سياسية واجتماعية قوية وحافزة، ورؤية شاملة. وقد لوحظ عند تطبيق الأداة المستخدمة فيه، كما ورد في موقع CNN الاقتصادي في 22 نوفمبر الماضي، أن دولة الإمارات استثمرت كثيراً في معاهد البحث العالية الجودة مثل معهد الابتكار التكنولوجي الذي صار واحداً من أكبر مراكز الاختراع والتجديد في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه قفزت الإمارات من المركز 28 إلى المركز 20 في المؤشر العالمي الأشمل للذكاء الاصطناعي للعام نفسه. وهو يعتمد على قياس التطور الحاصل باتجاه تحويل الدولة إلى مركز عالمي للابتكار، وبناء بنية رقمية قوية ومستدامة، واحتضان الشركات الناشئة الوطنية والعالمية التي وصل عددها إلى نحو 5600 شركة.
ويحق لشعب الإمارات أن يفخر في عيد اتحاده الثالث والخمسين بأن دولته هي الوحيدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط المُصَنفة في الصف الأول عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي. وما كان لهذا، وغيره، أن يتحقق إلا لتوافر إرادة سياسية قوية وقيادة وطنية طموحة ورؤية مستقبلية شاملة، وفريق عمل وطني قادر على مجاراة آخر ما تبلغه التكنولوجيا الرقمية والإضافة إليها.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية