نحتفي بعيد الاتحاد الثالث والخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة، ونحن نستلهم من مسيرة دولتنا روح الإبداع والريادة التي خطّها الآباء المؤسسون، وعلى رأسهم الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. تلك المسيرة التي كانت حلماً فأصبحت واقعاً، ثم تحوّلت إلى نموذج عالمي يُلهم الأجيال. في الثاني من ديسمبر 1971، بزغ فجر الاتحاد ليعلن عن ميلاد أمة جديدة، قوامها الوحدة، وأساسها العزيمة. لم يكن الاتحاد مجرّد فكرة سياسية، بل كان رؤية إنسانية متكاملة تسعى لبناء دولة حديثة قادرة على مواجهة التحديات وإيجاد الفرص.
تلك الرؤية الاستثنائية التي تجلّت في حكمة الشيخ زايد، رحمه الله، جعلت من الإمارات أرضاً خصبةً للتنمية، ومركزاً حضارياً يحتضن الإنسان قبل البنيان. واليوم، ونحن نعيش في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نرى رؤية تحوّلت الإمارات من خلالها إلى أيقونة عالمية في التنمية المستدامة، والتقدم التكنولوجي، والريادة الإنسانية. لم تقف طموحات القيادة الرشيدة عند الحفاظ على المكتسبات، بل تجاوزت ذلك إلى بناء مستقبل يرتكز على الابتكار والمعرفة. كيف لا، والإمارات أصبحت اليوم رائدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، واستكشاف الفضاء، والطاقة النظيفة، تتصدر المشهد العالمي بإرادةٍ لا تلين.
لم تصبح الإمارات مجرد دولة يشار إليها بإنجازاتها، بل أصبحت نموذجاً يُحتذى به، يجمع بين الحداثة والأصالة، بين التقدم والتسامح، وبين الانفتاح والحفاظ على الهوية الوطنية. لم يكن هذا النجاح وليد المصادفة، بل هو ثمرة رؤية قيادية متبصرة تعي أن الإنسان هو الثروة الحقيقية. هذا الإنسان الذي جعلتموه محوراً لكل السياسات والخطط التنموية، ليعيش في بيئة تضمن له الكرامة والأمان والازدهار. ما يميز الإمارات أيضاً، قدرتها الفريدة على أن تكون جسراً بين الشعوب. ففي عالمٍ يعج بالصراعات والأزمات، تتصدّر الإمارات المشهد كدولةٍ تنشد السلام، وتسعى لإصلاح ذات البين. وسواءٌ في النزاعات الإقليمية أو الكوارث الإنسانية، كانت الإمارات دائماً صوت العقل والحكمة، تمد يد العون لكل محتاج، وتسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء.
هذه الدبلوماسية الفاعلة أكسبت الإمارات احترام العالم وثقته. أما على الصعيد الداخلي، فقد نجحت الإمارات في بناء مجتمع نموذجي يحتضن أكثر من 200 جنسية يعيشون بتناغمٍ وسلامٍ قلّ نظيره. هنا، في الإمارات، يُمارس الناس أديانهم بحرية، ويتعايشون بروح التسامح التي أصبحت علامةً مميزة لهذا الوطن. ليس غريباً أن ينظر العالم إلى الإمارات كنموذج للتعايش الإنساني، في وقتٍ يعاني فيه كثير من الدول من التفرقة والانقسامات. ونحن في هذه اللحظة الفارقة، لا يسعنا إلا أن نتأمل في مسيرة هذه الدولة العظيمة، التي بدأت بحلم وتحوّلت إلى حقيقة أبهرت العالم. إن العيد الوطني ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل هو لحظة للتأمل في معاني الاتحاد، وللتعبير عن الولاء للقيادة التي لم تدخر جهداً في سبيل رفعة الوطن وكرامة مواطنيه.
باسم كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، أجد نفسي أكرر كلمات نابعة من القلب، للقيادة الرشيدة، لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: نعم سيدي، أعزك الله، ووفقك لما فيه خير الإمارات، وجعل هذه الدولة دائماً في طليعة الأمم. تحت قيادتكم، نمضي واثقين نحو مستقبل مشرق، نرفع فيه راية الوطن عالياً، ونبني فيه أجيالاً تحمل الأمانة بكل شرف ومسؤولية. أدعو الله أن يبارك في مساعيكم لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تفخر بها الإمارات والعالم. إننا نعيش القصة، ونكتب فصولها معكم، وكلنا ثقة بأن القادم أجمل.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.