«الحشاشون الجدد»
لسنا بحاجة إلى الاستدعاء التاريخ باستحضار رواية «الحشاشين»، الذين ظهروا في زمن بعيد، وصنعوا مساراً في العقل السياسي، مبنياً على الإيديولوجية فتلك أمةّ قد خلت وهذه أمة حاضرة في زمن مغاير يفترض أنها تعيش في حقبة الثورة التكنولوجية والمعرفية. ما بين حسن البنا وحسن الصباح فكرة واحدة منها خرجت المقاربة بين جماعتي «الحشاشين» و«الإخوان » بما يتمثل في مبدأ الولاء والبراء.
فعندما يتبنى الفرد هذا المبدأ، ويقدم البيعة للأمير أو المرشد أو المسؤول أو مكتب الإرشاد، وفقاً للتسميات التي تعتمدها الجماعة لقادتها، فإن هذه البيعة تعني تفانياً نفسياً ومعرفياً وفقهياً من العضو تجاه المرشد أو الأمير، وعليه أن العضو في «الحشاشين»، أو «الإخوان» يمنح تفويضاً كاملاً للأمير ليتحكم فيه كما يشاء، دون أي حقوق له، بل يتوجب عليه الانصياع والطاعة.
في كلتا الجماعتين، يعتقد الأعضاء أن المرشد يفتح باب الجنة أمامهم، ويمتلك مفتاح الآخرة، ولذلك تُعَد هاتان الجماعتان من أخطر الجماعات، إذ تعتمد كل منهما على شخص واحد يحكم جماعة من البشر بتفويض إلهي، ويمنحهم الجنة المفترضة والخلاص، ويصبح في نظرهم المنقذ والمخلص. يقوم المرشد في كلتا الجماعتين بتوجيه المجموعات التابعة له وفقاً لإرادته، ما يمثل جانباً من التشابه بينهما، لدى «الحشاشين» و«الإخوان» ما يشتركان فيه آخر متشابه، وهو «الفدائيون»، الذين يقومون بتنفيذ عمليات الاغتيال والهجمات الانتحارية لصالح الأمير أو المرشد والجماعة، يقوم هؤلاء الفدائيون بتنفيذ أعمالهم بتوجيه من المرشد، تماماً كما حاول «الحشاشون» اغتيال القائد صلاح الدين الأيوبي، وقد نفذ «الحشاشون» عمليات قتل ضد قادة في الجيوش الإسلامية، وهو ما حاولت جماعة «الإخوان» تنفيذه أيضاً خلال فترات حكمهم في مصر، حيث استهدفوا قادة عسكريين وأمنيين بعمليات اغتيال، بما في ذلك اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وسعوا إلى هدم الجيوش الوطنية.
التشابه الثالث بين الجماعتين يتجلى في تشكيل البنية الهرمية والإدارية لهما، حيث يوجد شخص واحد على قمة الهرم يحكم قاعدة من الموالين له، مثل حسن الصباح في «الحشاشين» وحسن البنا في «الإخوان». يقدم أتباع الجماعتين أرواحهم للمرشد مقابل الوعد بالجنة، وتترابط هذه القاعدة بشكل شبكي، وتتحرك وفقاً لأوامر وتوجيهات محددة، معتمدين على عقيدة واحدة وتنفيذ المهام الموكلة إليها، يكمن الخطر في هذا المفهوم، حيث يُنظر إلى الآخر كعدو يجب الاستنفار والاحتشاد للقضاء عليه وقتله.
فدائيو الجماعتين يقاتلون القادة في الجيوش والحكومات، ويوجهون سمومهم للحركات الوطنية بدلاً من المحتلين، فهم يعتبرون أداة وخنجراً مسموماً في مواجهة أوطانهم ومجتمعاتهم. لقد كانت هناك وقفة شديدة أمام فرقة «الحشاشين» أتباع حسن الصباح، وكان الانبهار من وصولهم إلى حد الإعجاز في تنفيذ آليات السمع والطاعة، وكان آلاف الأتباع يسمعون ويطيعون حتى لو طُلب منهم قتل أنفسهم، إن منظّر جماعة الإخوان «سيد قطب»، كان قبل انضمامه للإخوان يُشبّه حسن البنا وجماعته بحسن الصباح زعيم جماعة «الحشاشين»، اعتمدت الاغتيالات وسيلة للعمل العسكري والتصدي للخصوم، وقد كانت هذه الاستراتيجية الرئيسة التي اتبعها «الحشاشون»، ما أدى إلى شهرتهم حتى وصلت كلمة «حشاش» في اللغة الإنجليزية إلى أن تعني «قاتل مأجور». وأوضح أن «الإخوان» قد اتبعوا النهج نفسه، حيث اعتبروا الاغتيالات وسيلةً آمنةً للتصدي للتحديات بدلاً من المواجهة المباشرة والمخاطرة في المعارك العسكرية مع الدولة.
بعد ثورة يونيو 2013، اعتمدت جماعة «الإخوان» استراتيجية الاغتيالات كوسيلة لمواجهة الحكومة المصرية، وقد نشرت كتباً تروج لهذه الأفكار، مثل كتاب «فقه المقاومة الشعبية».
وأصدر محمد كمال، عضو الجماعة ومسؤول النظام الخاص بها، خطباً تحث فيها على القتل، مشيراً إلى فتاوى صدرت عن مفتي الجماعة عبد الرحمن البر تدعو إلى ضرورة اغتيال الأفراد المتعاونين مع الحكومة، بمن فيهم رجال الجيش والشرطة. الحشاشون الجدد هم ذاتهم التكفيريون الخوارج الأوائل، وإن تغيرت الأزمنة، فالعقيدة الضالة تبقى ضالة فاسدة.
*كاتب يمني