القوة الناعمة
مفهوم القوة الناعمة يعني القوة الخاصة بأمة أو دولة، لجهة حضورها إقليمياً وعالمياً، وهي ترتكز على عوامل القوة الاقتصادية والثقافية وليس الإكراه أو القوة العسكرية. وقد برز هذا المفهوم بدايةً من عام 1985 على يد عالم السياسة الأميركي الشهير جوزيف ناي الذي أكد أن القوة الناعمة هي القدرة على التأثير على سلوك الآخرين للحصول على النتائج التي يرغب فيها الطرف الذي يمارس تلك القوة.
وأضاف «ناي» أن القوة الناعمة تعمل على تحقيق النتائج التي يرغب طرف ما في تحقيقها عن طريق الإقناع والحوار والمصالح المشتركة وليس الإكراه والقوة العسكرية، وذلك بالاستناد إلى المصداقية، وهي أندر الموارد التي تمتلكها الحكومات. وكما يشير ناي فإن القوة الناعمة هي من أكثر أدوات السياسة الخارجية صعوبة على الحكومات، وذلك لسببين رئيسيين: أولهما أن العديد من الموارد الحيوية للدول تقع خارج سيطرة الحكومات، وثانيهما أن القوة الناعمة يتم تسخيرها بطريقة غير مباشرة من خلال تشكيل بيئة متكاملة تضم الثقافة والقيم السياسية والسياسات الخارجية.. وكلها أدوات يراها العديد من علماء السياسة شرعية وتتضمن سلطة أخلاقية.
ولذا فمن المعلوم في حقل السياسة (وخاصة في مجال السياسة الدولية)، أن القوة الناعمة هي القدرة على الاستمالة بدلاً من الإكراه، وهي بذلك أسلوب غير قسري يهدف إلى إحداث تغيير معين. وهي بذلك تمثل نقيضاً للقوة العسكرية، أي القوة الصارمة القائمة على استخدام الإكراه والإخضاع. ويمثل الغزو العسكري والعقوبات الاقتصادية محور «القوة الصلبة»، أي أنه على النقيض من القوة الناعمة التي هي القدرة على إقناع الآخرين لتحقيق أهداف معينة تحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
والقوة الناعمة ليست قاصرة فقط على الحكومات، بل يمكن أن تُمارسها أيضاً كافةُ الجهات الفاعلة في السياسة الدولية، مثل المنظمات غير الحكومية أو المؤسسات الأممية.ونستطيع رؤية براهين النجاح في استخدام القوة الناعمة من خلال النتائج الأخيرة لمؤشر القوة الناعمة العالمي الذي يشمل 193 دولة، وعبر استطلاع آراء 170 ألف متخصص. فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن العالمَ أثبتَ تقديرَه للعمل المتواصل ليلاً ونهاراً لآلاف من فرق العمل الوطنية في كافة القطاعات الحكومية التي نجحت، وبتميز كبير، في تسخير القوة الناعمة في السياسات الخارجية لدولة الإمارات، الأمر الذي جعلها تتبوأ المرتبة الأولى إقليمياً والعاشرةَ عالمياً في مؤشر القوة الناعمة، والمرتبة الأولى إقليمياً كذلك في التقدير الدولي للقيادات، والثامنة عالمياً في التأثير في الدوائر الدبلوماسية الدولية، والثالثة عالمياً في الكرم والعطاء، والثالثة عالمياً في فرص النمو المستقبلي.
ومما لا شك فيه أن مسيرةَ الإنجازات لدولة الإمارات على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، والتي تقوم على الاحترام المتبادل والعمل معاً على تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية، هي من ثمار الإخلاص والتضحية والولاء والانتماء.. وكلها سمات يمتلكها مواطن الإمارات ويحرص على ترجمتها على أرض الواقع بمصداقية منقطعة النظير كأساس للقوة الناعمة.
*باحث إماراتي