كعادتهم عند كل أزمة، يتسابق تجار السياسة في العالم الإسلامي خصوصاً من المنتمين فكرياً وحركياً لجماعات الإسلام السياسي لاستغلال الحدث وتجييش الشارع العربي والإسلامي في مناصرتهم الكلامية للقضية! يتفق الغالبية العظمى (إن لم يكن الجميع) في العالم الإسلامي على حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم واستعادة ما يمكن من أراضيهم وفقاً لأغلب المبادرات التي تدعم حل الدولتين. لكن مزايدات الحركيين من «الإسلامويين» لا ترفض هذا الحل من باب حرصها على كامل التراب الفلسطيني (وهم يعرفون عز المعرفة ان ذلك مثل حلم إبليس في الجنة) ولكنهم يسعون جاهدين، بكل ما أوتوا من ألاعيب ونفاق وتناقض، لتخريب أي مشروع يسعى لإيجاد حل واقعي للقضية الفلسطينية حتى لا تخسر جماعاتهم ورقة مهمة تستغلها دائماً لصالح مشاريعها السياسية خارج فلسطين. أضف إلى ذلك ان قضية فلسطين ورقة رابحة في أي مشروع من ضمن أهدافه تحريض الشعوب العربية ضد حكوماتها وضد التيارات الفكرية والأصوات الإعلامية الكاشفة لأكاذيب أصحاب تلك المشاريع التخريبية وعلى رأس القائمة دائماً «الإخوان المسلمون».
تأزيم العلاقة بين المجتمع وقادته خطة «إخوانية» بامتياز هدفها هز الثقة المتبادلة بين القيادات والشعوب في مسعى انتهازي لإحداث الفوضى التي من خلالها تجد تلك الجماعة فرصتها في لعب دور سياسي. لا يهم قادة تلك الجماعة إنْ كان ثمن الدور السياسي الذي يطمحون له استقرارَ البلدان ووحدتها. بل قالوها أيام ما سُمي بـ «الربيع العربي» وأعلنوها صراحة، في عز نشوة الفوضى التي أحدثوها بتواطئ مع قوى أجنبية، إنهم على استعداد حتى للتحالف مع الشيطان في سبيل السلطة!
الأزمة، أو المأساة، الراهنة في غزة، كمعظم الأزمات في منطقتنا، كشفت أيضاً، ومن جديد، عن تناقضات فجة يمارسها «الإخوان» من دون خجل. هاهم الآن يلوكون ذات الخطاب الذي يستعيدونه عند كل أزمة. وهاهم من دون خجل لا يستحون من تناقضاتهم المكشوفة فعندهم «كلام الليل يمحوه النهار»! خذ مثلاً أحد رموزهم، وأبواقهم، في دولة خليجية شقيقة يسحب عتبه «الأخوي» لحزب الله الذي قتل الآلاف من الأبرياء في مناطق واسعة من المشرق العربي ويراهن عليه، أي على الحزب، لنصرة المقاومة في غزة! وهو ذاته من يمارس اليوم تحريض الشباب الخليجي والعربي للانخراط في مشاريع إرهابية هو يدرك أنها أصلاً خاسرة. هو وأمثاله يتباهون بدراسة أولادهم وبناتهم في جامعات غربية، في كندا وأميركا، لكنهم لا يترددون في دفع أولاد غيرهم نحو الجحيم حيث الحروب والفتن والسجون. هذا غيض من فيض تناقضات وأكاذيب أولئك الذين يقتنصون أي فرصة لإشغال مجتمعاتهم عن التحديات الحقيقية مثل التنمية والتعليم والاقتصاد والتنافس العالمي نحو الفضاء والجديد من العلوم والتكنولوجيا.
في المشهد المؤلم اليوم في فلسطين أن تجار الأزمات لم يفوّتوا الفرصة. من يرصد خطاب بعض الأصوات المنتمية لجماعة «الإخوان» تحديداً يلحظ كيف يعملون لصب الزيت على نار الغضب الشعبي إزاء تلك المشاهد المأساوية في غزة. قادة تلك الجماعات ورموزها يعرفون عز المعرفة ان معظم المسؤولين في الحكومات العربية أعمق وعياً ومعرفة من الانقياد وراء مشاعرالغضب والإحباط الشعبي حفاظاً على أمن بلدانهم وسلامة مجتمعاتهم ومن يبني قراراته المهمة فقط على العواطف (حتى وإن كانت نبيلة) فإنما يقود نفسه ومن حوله إلى التهلكة! الحكومات العربية (خصوصاً في دول مجلس التعاون) تبذل قصارى الجهد وتوظف علاقاتها السياسية المهمة ومصالحها العالمية من أجل إيقاف سيل الدماء البريئة في غزة. لكن أصحاب خطابات التطرف والمشاريع السياسية المدمرة يرقصون عند وقوع أي أزمة، فالأزمات – خصوصاً تلك التي تتفاعل الشعوب العربية قاطبة معها – تتيح لهم استعادة وهجهم التحريضي. غير أن المطمئن حتى في مثل هذا الظرف القاسي أن المجتمعات العربية، في معظمها، تقابل الخطابات التحريضية بكثير من التجاهل وبعض السخرية وكأنها تقول لتجار الأزمات: كفوا أذاكم...فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين!
*كاتب إماراتي