.. نمشي على دربٍ ما توطاه الأقدامي *** وانْ وعرت الأرض يعجبني المشي فيها هذا البيت من قصيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - رعاه الله- ويختصر توجه دولة الإمارات العربية المتحدة قيادةً وشعباً في التعامل مع الحياة وبناء الوطن، وتفضيل خوض الصعاب، فالسهل يطفئ جمرة التحدي وهمَّة أبناء الوطن، والجميع يسعى إلى خوض غمار كل صعب في مجاله.
وكان أول سؤال جال ببالي وأنا أختار تخصصي بعد التخرج في كلية الطب هو: ما التخصص الذي تفتقر إليه مؤسساتنا الصحية، وفي الوقت نفسه لا يُعد مجالاً سهلاً مطروقاً؟ ثم وقع اختياري -بتوفيق من الله- على علم الأمراض الذي تطلَّبت دراسته غربة عن الوطن، وست سنوات قضيتُها في كندا والولايات المتحدة الأميركية، ولم يختلف توجهي عن توجه كثير من الزملاء والزميلات الذين برزوا في مجالات تخصصاتهم. وقد يتساءل بعضهم: لِم الصعب والخيارات الأسهل متاحة للشعب الإماراتي الذي أنعم الله عليه بسُبل الراحة؟
والجواب أننا شهدنا ما قدمه الآباء والأجداد إلى هذه الأرض، والتحديات التي واجهتهم في زمن كانت فيه فرص التعلم محدودة، فوجب علينا - بما وفَّرته لنا القيادة الرشيدة من دعم ومساندة - أن نكون على قدر التحدي، ونتولى زمام المبادرة، وتكون لنا قدم السبق، ذلك أن التغافل عن هذا التوجه يُعد هدراً للإمكانيات البشرية التي حبانا الله إياها من شباب وصحة وفكر، وهدراً للموارد المادية التي استثمرتها دولة الإمارات في بناء الإنسان، وقد عَدَدْنا ذلك فرض كفاية سعينا إلى قضائه، تفادياً لإثم التغافل والتقاعس عن طلب العلم، والعمل النافع، ورد الجميل.
وأولُ ما نحرص عليه -نحن الأطباء- بل نراهُ أولويةً تفرض نفسها على كل مَن يعمل في المؤسسات الصحية هو الاستدامة في تقديم الرعاية الصحية والحفاظ على الموارد. ومن أهم الدروس التي نحرص على إيصالها إلى طلبتنا كيفية الوصول إلى التشخيص الصحيح باستخدام عدد محدود من الفحوص. ويضمن هذا التوجُّه، الذي يتطلب خبرة كبيرة وعلماً مبنيّاً على أسس بحثية عميقة، سرعة في التشخيص، وحفاظاً على الموارد لمَن يستحقها من المرضى، إضافة إلى أثره الإيجابي في حماية الموارد الطبيعية.
وكما تحرص مؤسسات الدولة على تضمين أولوياتها ومبادراتها الحفاظ على صحة الأفراد، يحرص الأطباء كافةً على توعية المرضى بممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي متوازن، بهدف بناء مجتمع صحي، قادر على العطاء والتنعُّم بما كسبته يداه.
ونظراً إلى السمعة الطيبة لدولة الإمارات العربية المتحدة في تقديم الرعاية الصحية، والسعي الحثيث إلى دعم البحث العلمي، ومخاطرة إماراتيين بدخول مجالات طبية وتخصصية لم يطرقها كثيرون، فقد نشأت شراكات متعددة مع باحثين عالميين، ومؤسسات بحثية مرموقة، ومع ذلك لا يزال قطاع البحث العلمي يحتاج إلى مزيد من الدعم، مثل تأهيل كفاءات جديدة، وتطوير البنية التحتية البحثية، وتقديم مِنح بحثية مختلفة، وتبادل الخبرات بين المؤسسات الصحية ومؤسسات التعليم العالي في الدولة، والمؤسسات العالمية.
والقادم يتطلَّب قدراً كبيراً من عاليات الهمم، وكلنا ثقة بأبناء يواصلون المسير بإرادة لا تُقهر، وعزيمة لا تلين، مستلهمين قول الأمير خالد الفيصل: وأحب أسافر مع سحابٍ تَعَلَّى *** وأحب فوق الغيم لمعَ البروقِ
د. سعيدة صالح المرزوقي*
أستاذ مشارك ونائب العميد للتعليم الطبي، كلية الطب جامعة الإمارات العربية المتحدة- استشاري علم الأمراض بمستشفى توام.