استبشر الكثيرون حول العالم لدى الإعلان عن قيام نظام عالمي جديد قادم، وما صاحَب ذلك من دعاية في بداية تسعينيات القرن الماضي. فقد أعلنوا عن قدوم وولادة نظام عالمي جديد يحكم المعمورةَ كلَّها بسلام وأمان وطمأنينة.. نظام عالمي يبشر بالخير والسعادة للجميع، بولادة عالم مسالم محايد وناعم، واضح المعالم وحسن النوايا وخالٍ من أسلحة الدمار الشامل، لا فرصة فيه للقوي كي يأكل الضعيف، ولا وجود فيه لغازٍ ولا لمحتلٍ ولا لمضطهِدٍ.. بل يسوده السلام الشامل الكامل من دون حروب ولا قتال ولا نزاع، يكون العمل الخيري والإنساني سيد الموقف فيه من دون حواجز، وفيه تُشاع الديمقراطية وتُقام العدالة وتتحقق المساواةُ وتتجسد حقوقُ الإنسان وتنتشر في كل شبر منه، وتختفي البطالة وينتفي الفقر، ويتطور الطب فيقضي على كل الأمراض المستعصية والمعدية ويكافح الأوبئةَ بلا هوادة!
لكن الناس حول العالم فوجئوا بواقع مغاير، فمنذ التسعينيات تم احتلال دول وتدمير عواصم وتشريد شعوب وتهجير مجتمعات من قراها ومدنها وأوطانها.. فانتشر الفقر وزادت البطالة وتفشت الأمراض.. وما زال كثير من هذه المجتمعات يعيش في مخيمات اللجوء والنزوح، يتلحفون السماء ويفترشون الأرض ويستجدون الأممَ المتحدةَ الغذاءَ والماءَ والدواء!
لقد أصبح النظام العالمي يفصّل قراراته المزاجية حسب أهوائه ويلبِس مَن يشاء ما شاء تُهم، حسب مصالحه ونواياه!
ومن إنجازات «النظام العالمي الجديد» إشاعةَ الفوضى في المنطقة العربية، حيث انتشرت الميليشيات المسلحة المتطرفة بأنواعها، الأصولية والطائفية، التي فتكت بالدول وأسقطت هويتَها الوطنيةَ، كما تنامت العرقيةُ والمذهبيةُ وغاب الحس الوطني، وشاعت شريعةُ الغاب، واستفحلت اللصوصيةُ وساد القتلُ والتصفيةُ على أساس الهوية.. خاصة بعد ما يسمى «الربيع العربي» الذي حوّل المنطقةَ إلى خريف جارف وجاف وحارق من دون أشجار ولا أزهار، فانتشر فيها الخراب والدمار.
كنا في السابق نقول إن الغرب لا يسمح لدول عربية أو إسلامية أن تتطور وتنمو وتزدهر دون أن يخلق لها مشاكل لعرقلتها وإشغالها بنفسها.. لكن اكتشفنا أن النظام العالمي الجديد بلا معايير ولا قيم ولا ضوابط. فحتى أوكرانيا التي وعدوها بالدعم والمساندة، ها هو رئيسها يصيح: لقد تركتمونا لوحدنا نقاتل وتخلى عنا كل الحلفاء والأصدقاء! فأين القانون الدولي والنظام العالمي الجديد الآمن الذي وعدوا العالمَ به؟ 

كاتب سعودي