بخلاف الثمن الإنساني الهائل للوباء الحالي، والمتمثل في أعداد الإصابات والوفيات المتزايدة يوماً بعد آخر، والتي بلغت قرابة الأربعة ملايين حالياً، هناك أيضاً ثمن آخر، ووباء ثانٍ خفي، يتحمل عبئه المصابون بالاضطرابات النفسية والعقلية، والذين يقارب عددهم المليار شخص. ومن بين هؤلاء، يلقى ثلاثة ملايين شخص حتفهم سنوياً بسبب إدمان شرب الكحوليات، كما أنه بمرور كل 40 ثانية يلقى شخص حتفَه انتحاراً. ومما زاد الموقف سوءاً، وباءُ كورونا الحالي، والذي ترك بصمته على حياة المليارات من بني البشر، وزاد الطين بلةً بالنسبة لمن يعانون أصلاً مشاكل صحية نفسية وعقلية.
وحسب تقدير منظمة الصحة العالمية، في تقريرها السنوي عن الانتحار الصادر نهاية الأسبوع الماضي (Suicide Worldwide in 2019)، يستمر الموت انتحاراً كأحد الأسباب الرئيسية للوفيات بين أفراد الجنس البشري. ولدرجة أن عددَ من يموتون انتحاراً كل عام، يفوق أعداد من يموتون بسبب فيروس الإيدز، وطفيل الملاريا، وسرطان الثدي، مجتمعين. كما يفوق عددهم أيضاً، مجمل أعداد من يموتون بسبب الحروب أو نتيجة جرائم القتل.. ذلك أنه في العام الواحد يلقى أكثر من 700 ألف شخص حتفَهم انتحاراً.
هذا الوضع برمته، جعل من الضروري والعاجل، توجيهَ المصادر المالية والفنية والعلمية المتاحة لنظم الرعاية الصحية، تجاه ما يعرف بإجراءات وتدابير منع الانتحار. هذه الإجراءات أصبحت تحتل أهمية خاصة بعد أكثر من 15 شهراً قضتها البشرية تحت نير وباء تاريخي، تجمعت في ظله العديد من عوامل الخطر المرتبطة بزيادة معدلات الانتحار، مثل فقدان الوظائف، وتقلص مصادر الرزق، وتزايد الضغوط المالية، وتفاقم العجز عن توفير المتطلبات الأساسية، والعزلة الاجتماعية بسبب توصيات التباعد الاجتماعي وتدابير العزل والحجر الصحي.
ورغم التباين الواضح في معدلات الانتحار بين الدول والمناطق الجغرافية، وبين الذكور والإناث، فإن معدلات الانتحار بين الذكور تزيد بأكثر من الضعف عن معدلاتها بين الإناث. وبوجه عام، تزيد معدلات الانتحار بين الرجال في الدول ذات الدخل المرتفع، بينما تبلغ أقصى مستوياتها بين الإناث في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل. أما بين فئة صغار السن، وبالتحديد بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين، فيحتل الانتحار المرتبة الرابعة على قائمة أسباب الوفيات، ولا يسبقه على هذه القائمة المشؤومة، سوى حوادث الطرق، ومرض السل، وجرائم العنف.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية