لكبيرة التونسي (أبوظبي) عفراء عبدالله علي المنصوري (70 عاماً)، نشأت في البادية وبين البراري، وسط أجواء صقلت موهبتها وزادتها قوة وصلابة. برعت في الصيد بالصقور منذ نعومة أظافرها، ضمن العادات والتقاليد الأصيلة، ولا تزال تحمل هذا الإرث وتحافظ عليه، ولا تتأخر عن المشاركة في مختلف المهرجانات والمعارض والمناسبات للتعريف بموروث ثقافي وتراثي مرتبط بالذاكرة الجمعية لأهل الإمارات، لتؤكد أن هذه الرياضة بخير، وستنتقل إلى الأجيال المقبلة.
عشق الصحراء
أكثر من 65 عاماً أمضتها الإماراتية عفراء المنصوري، في رياضة الصيد بالصقور منذ كانت طفلة تلهو في الصحراء التي عشقت صمتها وفضاءها، ونشأت وسط الطبيعة، متتبعة خطوات والدها وأخوالها حتى أصبحت من النساء اللواتي يمارسن «الصقارة» بحب كبير.
وهي لا تزال تمارسها حتى اليوم وتشارك بهمة ونشاط في مختلف الفعاليات، كان آخرها مشاركتها في مسابقة كأس رئيس الدولة للصيد بالصقور في موسم 2021 و2022، من تنظيم نادي أبوظبي للصقارين. أجواء تراثية ذكرت عفراء وهي تستدعي أجمل ذكريات الطفولة والشباب المتمثِّلة في التآزر والتآخي والتسامح ضمن أجواء تراثية وثقافية جميلة، أن الصقور حظيت باهتمام بالغ في المجتمع المحلي.
وكانت رفيقة درب أهل الإمارات أينما حلوا وارتحلوا، وكانت ترافقهم في مواسم القنص وأيام القيظ، وفي رحلاتهم من أبوظبي إلى ليوا على ظهر الجمال «الركاب».
وأشارت إلى أنه أول ما يبنى في «المقيظ» هو مكان الطائر، وكان يطلق عليه «العشة» وبمجرد الوصول يُرش المكان بالماء ويبرَّد ثم يوضع فيه الطير الذي لا يستحمل درجة الحرارة العالية، موضحة أن معظم الأسر كانت تمتلك طيوراً، وهي عادة متأصلة في المجتمع. الستينيات وأشارت عفراء التي تمارس شغفها الكبير بالصيد بالصقور، أن موسم الصيد بالصقور في فترة الستينيات كان يبدأ في أواخر شهر سبتمبر، بعد شهرين ونصف من «المقيظ»، حيث تستريح الطيور داخل أعشاش مبردة حتى لا تؤثر درجة الحرارة العالية عليها، بينما اختلف الأمر في فترة السبعينيات والثمانينات، حيث كانت تذهب في رحلة القنص إلى السعودية وبعض البلدان المشهورة بهذه الرياضة.
فخر
تسرد عفراء المنصوري التي تبدي فخراً واعتزازاً بما تتمتع به من مواهب وقدرات على التعامل مع الطائر وفرض شخصيتها عليه قصصاً من ذاكرتها وجوانب مهمة من حياة المرأة وعملها إلى جانب الرجل من تاريخ الوطن والأعوام التي سبقت قيام الدولة، حيث برعت في فنون الصيد بالبراري وتشربت مفاهيم البداوة وقيمها النبيلة وتحملت المسؤولية منذ الصغر.
وقالت: الحياة كانت صعبة، وتسودها كل معاني النبل من شجاعة وشهامة وتضامن وتكافل وتآزر مع الجار، مؤكدة أن المرأة كانت تراعي «الحلال» من أغنام وماعز، كما تخرج للبحث عن رزقها، لاسيما أن الصقر كان ذات يوم يُعيل الأسر، حيث كان يخرج به الرجل للقنص والمجيء بما يصطاده لأبنائه، لذا فإن هناك علاقة وطيدة تاريخية بين الصقر والأسرة. مسؤولية.
وأضافت: الحياة في السابق كانت بسيطة وجميلة لا يشوبها الفراغ أبداً. تبدأ قبل شروق الشمس وتنتهي مع غروبها، وعلى الرغم من التعب الناجم عن أشغال البيت والرعي وسقي الماء والاهتمام بالماشية، كان التراب كفيلاً بامتصاص وجع قدميّ، لم نكن نشعر بالتعب أو الملل، نعمل من دون توقف، ولم تكن فترة سهلة.
كنت أرعى الحلال من «بوش» وغنم، وأراعي البيت من تنظيف وجلب الماء، وإعداد الأكل، وكانت البيوت تعتمد على المرأة منذ نعومة أظافرها، وكانت النساء يعملن على تجهيز بيت الشعر من صوف الغنم، وبعد مرور الصوف في عدة مراحل قد يستغرق العمل على بيت شعر واحد سنة كاملة، وكان يمتد 20 متراً. ومع ذلك كنا نجد وقتاً للفرح والسعادة، وكان رياضة الصيد بالصقور من أحب هواياتي، مارستها ولا أزال أحرص على الحضور في مختلف الفعاليات والذهاب إلى رحلات القنص التي ننظمها داخل الدولة وخارجها.