هزاع أبوالريش
تلعب الفوتوغرافيا دوراً مهماً ورئيساً في إثراء الذاكرة الإنسانية فيما يتعلق بحفظ وتوثيق تفاصيل الحياة والتحولات التي تمر بها المجتمعات عبر التاريخ، وتزخر كنوز الفوتوغرافيا في دولة الإمارات بصور نادرة تضيء على مراحل تاريخية مهمة، كما تصور واقع الحياة في مراحل تاريخية متعاقبة، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن التحولات الثقافية للفوتوغرافيا في مجتمع الإمارات، باعتباره الصورة منتجاً إبداعياً ووسيلة توثيقية بارزة.
يقول سعيد عبدالله جمعوه، رئيس جمعية الإمارات للتصوير الفوتوغرافي: تاريخ التصوير في دولة الإمارات العربية المتحدة شهد بداية التوثيق لمختلف مظاهر الحياة في الدولة في منتصف أربعينيات القرن الماضي، حيث وثق كل من «رونالد كودري» و«ويلفيرد ثينغير» معظم تفاصيل الحياة في الدولة من الوجوه والناس وحياة الصحراء والبر والبحر.. أما بالنسبة لحالات التصوير بالأبيض والأسود، فقد بدأ التصوير بهذا النمط من خلال التجارب الأولى في صناعة آلة التصوير الضوئي حيث تمكن «جوزيف نيبس» و«لويس دايجر» من طباعة الصور الأولى في عام 1826 ميلادية، ما خلق بداية لهذا العصر وبدأت بعدها تتطور الكاميرا والفيلم ويعتبر الأسود والأبيض من إحدى تحديات المصور في نقل الصورة الواقعية للمكان والزمان والأشخاص، ويعتبر هذا النوع من التصوير ما زال مرغوباً رغم التطور الكبير في صناعة الصورة، حيث له طابع مميز ومختلف في إنتاج الصور والتعبير عن حالات ومفاهيم لمواضيع مختلفة ونقل واقع غير مألوف لعين المتلقي. والتصوير في كل الحالات هو إيقاف لحظة من الزمن سواء كان ذلك داخل الأستديو أو خارجه، وهذا الأمر أتاح للجميع تصوير وتوثيق الحياة اليومية وله الأثر في نقل الكثير من الأمور التي لا يراها البعض إلا بمنظور المصور الفنان في نقل الواقع الذي لا يراه الآخرون.
ذاكرة الصور
أما الفنان جاسم ربيع العوضي، والذي يعتبر من أوائل المصوّرين الإماراتيّين، فيقول: إن أول صورة ظهرت للبشرية في عام 1826 حسب ما ذكر في تاريخ التصوير، من خلال علماء فرنسا وبريطانيا، وفي نفس القرن وصل التصوير إلينا من قبل المستشرقين الذين كانوا يأتون ليستكشفوا المناطق العربية والبادية العربية والسواحل التي كانت تستحوذ على سبل التجارة، وفعلياً بدأ التصوير في الدولة من قبل المواطنين في ثلاثينيات القرن الماضي، بدءاً من تصوير مقناص الشيوخ، والرحلات وهناك صور تم توثيقها في كتاب «صدى الماضي»، ويضم الكتاب مجموعة من الصور التي تعود إلى بدايات التصوير في الدولة.
مضيفاً أن الصورة كما يقال تغني عن ألف كلمة، فالصورة تحمل في طياتها فصولاً عن تاريخ المنطقة، وجماليات الحياة، فإن رجعنا لأرشيف الدولة، نكون أمام تاريخ عريق سواء السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو العمراني أو الزراعي، بالإضافة إلى الملابس وتنوعها وتطورها ما بين الأجيال.
وبيّن العوضي: صحيح في عام 1930دخلت الألوان على الصورة، ولكن بالنسبة لي أنا لا زلت أعشق الصور بالأبيض والأسود، بما تحمل من تحدي للمهتمين لأن ينقلوا الصورة برسالتها وجماليتها وفكرتها من دون لون، وهنا تبرز موهبة وقدرات المصور واحترافيته في اختيار الصورة والزاوية والمكان والوقت، فالتحدي يكون من جانبين للمشاهد والمصور لأن يبرز ما في الصورة من معالم تضفي الطابع الذي يود إيصاله من خلال الصورة نفسها.
مشيراً إلى أن المصور لا يختلف عن الفنان التشكيلي والشاعر والكاتب، فجميعهم لا يقدمون على إبداعهم إلا ولديهم فكرة، فالمصور كذلك لا يمسك الكاميرا إلا ولديه فكرة معيّنة، والبعض يعتقد أن مسألة التصوير بسيطة وسهلة، وإنه بمجرد اقتناء كاميرا وعدسة وفلاشات يمكن أن يصبح مصوراً، هذه فكرة خاطئة، فالتصوير مهارة وموهبة وممارسة ويقين بالعمل الذي تقوم به عن حب وقناعة، ومن ثم يجب أن تكون لديك رسالة وفكرة تقدمها من خلال الصورة كي تكون لمساتك أكثر إبداعاً وتألقاً فيما تقدمه.
التراث المادي
وترى فاطمة حميد السويدي، مهندسة معمارية، وحاصلة على ماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي، أنه من المهم أن نعكس أهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي سواءً كان قديماً أو حديثاً من خلال الأدوات المختلفة التي تخلق تجربة مجتمعية وتسمح في المقابل بفهم أفضل لها. وهذا ما قمت به من خلال تجربتي في المعرض الفني المسمى بـ «بيت فاطمة بن سباع» الذي أعدته مع مجموعة «وداعاً جميرا القديمة» في يونيو عام 2023 في بيت جدتي الذي يقع في منطقة الوصل في دبي، والذي يعود لعام 1993 والذي عرضت فيه أعمال فوتوغرافية توثق التفاصيل المعمارية للبيت من الداخل والخارج، إضافة إلى الأعمال الإبداعية التي أنتجها أفراد العائلة الذين عاشوا معظم حياتهم في هذا البيت. إضافة إلى ذلك فقد عرضت أيضاً صوراً فوتوغرافية جمعتها من أرشيف العائلة، والتي تبين تفاصيل المنزل من الداخل وكيف تغير على مدى السنوات الـ 30 الماضية.
مضيفة: الصور الفوتوغرافية أراها هي الأداة الأقرب لأي إنسان اليوم لفهم الأهمية الثقافية للمساحات التي نعيش فيها، وهي الأداة الوحيدة أيضاً التي يمكن من خلالها أن نحافظ على الذاكرة المجتمعية للحياة الإماراتية، ومن خلال التصوير الفوتوغرافي الذي قمت بطلبه من المصور المبدع حسين الموسوي للقيام بهذه المهمة في توثيق تفاصيل منزل جدتي من الداخل والخارج، قام المصور من خلال عدسته بالتقاط تفاصيل مبدعة أحياناً لا نبالي بأهميتها، ولكن من خلالها استطعت استعادة ذكريات الطفولة في هذا المنزل وتقديره بشكل أكبر.
واختتمت السويدي: التغيرات السريعة التي تطرأ على مدننا اليوم ولا سيما مدينة دبي هو ما دفعني إلى الاهتمام بهذا المجال والشعور بأهمية تراثنا المعماري الذي يعود لفترة السبعينيات والثمانينيات، وفي مقدمتها بيت العائلة الذي يرسخ التلاحم المجتمعي والثقافي للأسرة الإماراتية والتي تتمثل في تراثها المادي ألا وهو البيت الإماراتي بكل ما يمثله من القيم التاريخية والثقافية غير الملموسة.
من جانبها تقول صبحة الرميثي، هاوية تصوير: التصوير يجسد حالة من الفرح بالعمل الإبداعي، ومشاهدة ما تقدمه في أعيّن الآخرين، وهذا ما يجعلك تعمل بكل حب وإخلاص وتفانٍ، ما يزرع في داخل المصور حافزاً لإنتاج الأعمال المبهرة والمتميزة والرائعة التي تعكس جهدك ومثابرتك وتألقك. فالتصوير جهد يُبذل وطاقة تقدم وسفرات طويلة ومسافات يقطعها المصور لأجل أن يلتقط صورة أو يتواجد في مكان معيّن أو فعالية أو ما شابه ذلك، فكل تحركاته تبدو مدروسة وفيها استراتيجية عالية المستوى لأن تظهر الصورة بما تليق بالجهد والتعب وأن تكون بالشكل المطلوب.