لا تزال العقبات موجودة في طريق التعافي الاقتصادي العالمي الكلي. لا يعني هذا أن الكارثة أو المصاعب والمصائب تتعمق، لكن المشاكل التي أتت بها جائحة «كورونا» إلى العالم، ستكون حاضرة بطبيعة الحال على الساحة لبعض الوقت. فالانكماش الاقتصادي الذي ساد العام الماضي كان متفاوتاً بالطبع، إلا أنه لم «يوفر» أحداً. فقد كسر حتى في عدد من الدول المتقدمة حاجز الـ 10%، لكن النمو عاد بالفعل هذا العام إلى الساحة العالمية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنه يبقى رهن مجموعة من العوامل في مقدمتها التضخم، والديون السيادية، والبطالة، فضلاً عن نقص الإمدادات وسلاسلها. أضف إلى ذلك، عدم القضاء نهائياً على فيروس «كوفيد ـ 19»، مع عدم استكمال دائرة التطعيم في العالم والمنطقة.
لكن يبقى التضخم هو العامل الأخطر في مسيرة التعافي في الشرق الأوسط، بحسب صندوق النقد الدولي، والذي سيرتفع هذا العام إلى 12.9% من 10.4% العام الماضي. في حين أن مستويات التضخم في آسيا الوسطى ستكون أقل عند 8,5% في العام الجاري. ومشكلة التضخم بشكل عام، حتى في زمن الازدهار والنمو، تمثل معضلة لكل الحكومات حول العالم، وتعتبر ساحة صراع «تاريخية» مع البنوك المركزية التي تسعى عادة للحفاظ على وتيرة النمو والسيطرة على التضخم عند الهدف الذي يحدد من قبلها. وفي المرحلة الراهنة، ستكون الحرب أعنف، لأن البنوك المركزية في الشرق الأوسط، ستحاول أن تواجه زيادة أسعار السلع ونقص الإمدادات، ودعم خط التعافي الاقتصادي الموجود بالفعل على الأرض. دون أن ننسى ضغوط البطالة في هذه المنطقة التي بلغت وفق «صندوق النقد» 11.6% مرتفعة 1.4 نقطة مئوية العام الماضي.
المعركة مع التضخم لن تكون سهلة، وربما تؤدي في بعض البلدان إلى نزوح تدفقات رأسمال إلى الخارج، فضلاً عن زيادة الفوائد على الديون السيادية. ووفق المؤسسات الدولية المختصة، فإن الأكثر انكشافاً هنا، هم أولئك الذين لديهم احتياطيات أقل وحسابات خارجية أضعف. لكن في النهاية لا بد من الحفاظ على وتيرة التعافي الاقتصادي الراهن في المنطقة بأي ثمن، وبصرف النظر عن أي مؤثرات. ومن أجل دعم الانتعاش المشار إليه، لا بد من توسيع رقعة التطعيم ضد فيروس «كوفيد ـ 19». وهذه النقطة على وجه الخصوص لا تزال متفاوتة بين دولة وأخرى، على الرغم من عدم صعوبة الوصول إلى اللقاحات. بمعنى آخر، ستكون نجاعة «إدارة الجائحة»، العامل الأهم في الحفاظ على زخم التعافي الاقتصادي في المنطقة والعالم، وبالتالي تسهيل عملية الوقوف في وجه التضخم عبر السيطرة عليه بالحد الذي لا يشوش على النمو. ونحن نعلم أن زيادة أسعار السلع ونقص الإمدادات الذي ارتبط بـ «كورونا»، يحد من القدرة على تبني سياسات نقدية داعمة، لكن الأمر يمكن الالتفاف حوله بإجراءات أخرى داعمة، ولاسيما السيطرة الكاملة على ما تبقى من جائحة عالمية لم يتوقع انتشارها أحد.