دولة الخير.. صانعة السلام
القائد العظيم الذي حقق بالإقناع وتغليب المصالح ما يشبه المستحيل حينما أسس دولة الإمارات العربية المتحدة، إنما أسس لدولة الخير، تلك التي تسعى لخير الأمم، قريبة وبعيدة، وحل مشكلات حدودية أرهقت الدول وأهدرت موارد الشعوب. ليس غريباً على ذلك القائد الاستثنائي أن يأتي أبناؤه من بعده ليعززوا ذلك المبدأ ويصبحوا من رموز الخير لشعبهم والشعوب المجاورة. فرق شاسع بين دولة تسعى لخير الشعوب ودول أهدرت مقدرات شعوبها لخلق الفتن والحروب في محيطها وأبعد منه. فرق ما بين الأرض والسماء بين دولة تبني مشاريع تنموية عملاقة، وتسعى جاهدة ليعم الأمن والسلام والاستقرار منطقتَنا والعالم، ودولة لا همَّ لها إلا خلق مزيد من الحروب وصب الزيت على نيران الفتن الطائفية وإشعال فتيل الحروب والدمار أينما وكلما سنحت لها فرصة.
تأملت ردات فعل العالم على المصالحة التاريخية التي أنهت عشرين عاماً من الخلافات والحروب المنهِكة بين إثيوبيا وإرتيريا، وكان اسم الإمارات العربية المتحدة، عرّاب المصالحة التاريخية، العنوان الأبرز لهذه المصالحة. وليس خافياً على متابعي التطورات الإيجابية في القرن الأفريقي، الدور الكبير الذي لعبه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، لتحقيق هذه المصالحة بين إثيوبيا وإرتيريا، وأهمية هذه المصالحة على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي كلها. ولننظر لهذه المسألة بعين الواقعية والمصلحة: إثيوبيا دولة محورية ليس فقط في محيط القرن الأفريقي، ولكن أيضاً في القارة الأفريقية كلها. وليس من مصلحة أحد أن يستمر التوتر وشبح الحرب بين إرتيريا وإثيوبيا سيد المشهد. يكفي أن نتأمل في الحالة الصومالية المرعبة، تلك التي دمرت بلداً بأكمله وجلبت نحوه كل قوى الشر بسبب الفراغ السياسي وسطوة تجار الحروب، باسم الدين، على مدنه وقراه. والمزيد من التوتر في القرن الأفريقي قد ينذر -ولو بعد حين- ببوادر «حرب أهلية» بين الشعوب الإثيوبية (أكثر من ثمانين عرقية في إثيوبيا) مما سيدخل المنطقة كلها، ونحن في الخليج قد لا نكون بعيدين عن تداعياتها، في أتون المزيد من الدمار والإرهاب. أما على صعيد العلاقات الإنسانية، فإن الدور الإماراتي المهم في تحقيق المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإرتيريا، لا بد أن ينعكس إيجاباً، ولو بعد حين، ليس فقط على العلاقات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية بين دولة الإمارات ودول القرن الأفريقي، لكن -وهذا في غاية الأهمية- سيترك آثاره الإيجابية في العلاقات الإنسانية بين الشعوب العربية والأفريقية. وسينعكس بالإيجاب على نظرة إنسان تلك الدول للإنسان العربي، أينما كان وأينما حل. وما أحوجنا، في هذا العصر، إلى بناء جسور الخير والتسامح والتعاون مع كل الشعوب، القريبة منا والبعيدة، بعدما دمرت صورتنا، في شرق الأرض وغربها، جماعات التطرف والتكفير والإرهاب. هكذا هي، دوماً، دولة الإمارات العربية المتحدة، برؤية قادة يتطلعون بوعي لفرص المستقبل ومواجهة تحدياته، دولة تُغلب مصالح الإنسان الحقيقية على المكاسب السياسية الوقتية، وتسعى جاهدة لضمان استقرار الدول، القريبة والبعيدة، باعتباره شرطاً أساسياً لأي تنمية أو نهضة، تطفئ حرائق الفتن والتفكك في محيطها الجغرافي، وأبعد منه، وتفتح صفحات مهمة من العلاقات والمشاريع الاستراتيجية الواعية مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والهند وروسيا والصين. وكل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والثقافي الذي تقوده الإمارات اليوم في محيطها وخارجه، سيؤتي ثماره وسيعم خيره قريباً على المنطقة العربية كلها. ومما يثلج صدر كل مواطن إماراتي وكل محب لدولة الإمارات، شعباً وقيادة، أن يرى -بكل فخر واعتزاز- هذا الاحترام والتقدير الدولي الذي تحظى به دولة الإمارات اليوم، وهو احترام مستحق ليس فقط بسبب سياسة الإمارات الخارجية، ولكن أيضاً بسبب ما حققته داخلياً من تنمية عملاقة، جنى ثمارها المواطن والمقيم، وهيأت بسببها لمئات الآلاف من شباب المنطقة، فرصاً ثمينة في العمل والاستثمار وتحقيق الأحلام. ولهذا يأتي الدور الإماراتي في تحقيق المصالحة المهمة بين إرتيريا وإثيوبيا، منجزاً جديداً، ومن ثمار القوة الإماراتية الناعمة التي عم خيرها شعوباً كثيرة أنهكتها الحروب والفتن وألاعيب السياسة.
د. سليمان الهتلان: كاتب ومستشار إعلامي