العلاقات الاجتماعية تمثل مقياساً لتماسك أي مجتمع ومؤشراً لمستقبل المجتمع، فحين كانت العلاقات الاجتماعية قوية ومتزنة وتتسم باحترام حرية الآخر وحقه في الحياة كلما كانت درجة تماسك المجتمع قوية وكلما كانت تلك العلاقات تحكمها مجموعة القيم الأخلاقية والإنسانية كلما كان المجتمع أقدر على التعافي من أي أزمة تحيط به.
والعلاقات الاجتماعية تبقى مرهونة بطرق التواصل بين الأفراد. قديماً كان التواصل يتم عبر اللقاءات المباشرة ثم تطورت الحضارة فأصبح الهاتف واحداً من روافد التواصل حتى وصلنا إلى العصر الحديث وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي واحدة من أهم وسائل التواصل والاتصال ليس بين المجتمع الواحد بل بين العالم كله.
بعد أن أصبحنا ما بين تواصل حقيقي عبر العلاقات المادية باللقاء المباشر وتواصل افتراضي يتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي يأتي سؤال هل التواصل الافتراضي من الممكن أن يحل محل التواصل المباشر والحقيقي؟
هذا يأخذنا للنظر للتواصل الافتراضي بعين محايدة فله من الإيجابيات والسلبيات ما يجعلنا نحكم عليه بحيادية فمن أهم سلبياته أنه حد من العلاقات المباشرة.. وإدراكنا لرسالة التواصل مع الطرف الآخر حين تغيب عنه لغة الجسد والتواصل البصري يخفي جزءاً كبيراً من الرسالة المتبادلة ما بين الطرفين ويؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم وضوحها وهذا يؤثر سلباً على قوة التواصل ما بين الأطراف والانغماس الشعوري بينهما وتلك هي أهم سلبية في التواصل الافتراضي.
أما من أهم إيجابيات التواصل الافتراضي، إلغاء المسافات ما بين المجتمعات وزيادة حجم العلاقات الإنسانية مع مختلف الجنسيات والمعارف من البشر، التواصل الافتراضي يقلل حجم المعاناة وحالات الحنين والقلق التي تنتاب الأقرباء والأصدقاء والأحبة، ويحافظ على مستوى من التواصل الاجتماعي بصورة متماسكة إلى حد كبير. ولنتذكر كيف كنا نطمئن ونتواصل مع أبنائنا المبتعثين منذ عشرين عاماً، ونقارن بينه الآن وآثار التواصل الافتراضي من انخفاض حدة القلق والاطمئنان بصورة كبيرة فنحن الآن نستطيع أن نطمئن عليهم كل يوم بل وكل ساعة.
بالتالي التواصل الافتراضي هو قيمة مضافة للعلاقات الاجتماعية ويساهم في تعميق العلاقات وتقويتها ولا يهدمها لكن الافراط كما هو العادة التي نقع فيها في الكثير من معطيات العصر الحديث فالإفراط في استخدام العلاقات الافتراضية بديلاً عن اللقاءات المباشرة مع العائلة والأصدقاء والمعارف هو هدم للتواصل الوجداني المتكامل مع الأطراف الأخرى وإضعاف لمتانة العلاقات الاجتماعية.
إن العلاقات الافتراضية لن تكون بقوة العلاقات المباشرة والحقيقية، ولن تحل محلها، بل هما مكملان يمكننا أن ندمجهما معاً في غلاف واحد، فهما الآن شراعين لسفينة التواصل المجتمعي. بالتالي السفينة بشراع واحدة ستكون متباطئة ولكنها بشراعيها ستكون أكثر سرعة وقوة في الوصول إلى موانئها، لذلك لابد أن ندرك أنه ليس هناك تعارض بينهما لكن تكمن الأزمة في الإنسان والإفراط والجنوح إلى الجانب الأسهل والميل إلى الكسل المجتمعي والاكتفاء بالتواصل الافتراضي.
* أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة في الأمن الاجتماعي والسياسي