يواجه «البنتاجون» ضغوطاً من الكونجرس كي يبقي على مستويات القوات الأميركية في أفريقيا كما هي في الوقت الذي تفكر فيه وزارة الدفاع في تقليص الحضور الأميركي هناك والتركيز على منطقة آسيا والهادئ بدلاً منها. وصرح جوناثان هوفمان المتحدث باسم البنتاجون أن وزير الدفاع مارك أسبر يقوم بمراجعة لكل قيادة مقاتلة ومهمتها وتكليفها ويبحث مدى استعداد الحلفاء والدول المشاركة للاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات.
والمراجعة بدأت بمنطقة القيادة الأميركية في أفريقيا التي تتضمن كل القارة ماعدا مصر. وكان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن أنه يريد إخراج الولايات المتحدة من «الحروب السخيفة التي بلا نهاية التي الكثير منها قبائلي وإعادة قواتنا إلى الديار». صحيح أن مسؤولين من «البنتاجون» يقولون إنه لم يُتخذ قرار بعد، لكن المسعى تمخض عن تصاعد قلق من الحزبين بشأن احتمال تخلي الولايات المتحدة عن نفوذها لصالح القوى المنافسة مثل روسيا والصين واحتمال تقليص جهودها في مواجهة الجماعات الإرهابية المنتسبة لـ«القاعدة» و«داعش» في أفريقيا.
وصرح السيناتور «الجمهوري» جيمس انهوف، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ والمؤيد بقوة بصفة عامة لإدارة ترامب، أن «أي تقليص لقواتنا سيكون بمثابة قصر نظر وسيقيد قدرة القيادة في أفريقيا في تنفيذ مهمتها، ويضر بالأمن القومي نتيجة لهذا». وأثار السيناتور «الجمهوري» ليندسي جراهام، وهو من حلفاء الرئيس ترامب أيضاً، القضية في خطاب إلى «اسبر» عبر فيه عن «قلق شديد من التقارير التي تتحدث عن قرار محتمل بتقليص كبير أو سحب كامل للقوات المسلحة الأميركية وخاصة من غرب أفريقيا». وشارك في التوقيع على الخطاب السيناتور «الديمقراطي» كريستوفر كونز.
وعملية التقليص تخضع للفحص في الوقت الذي شن فيه متشددون هجمات كبيرة امتدت من النيجر إلى كينيا، مما أثار التوترات والمخاوف بشأن الاستقرار والأمن. ففي الخامس من يناير قُتل جندي أميركي ومتعاقدان أميركيان في هجوم نفذته جماعة «الشباب» الصومالية المتشددة على قاعدة جوية في كينيا، مما ألقى الضوء على قدرة الجماعة الإرهابية على توسيع نفوذها خارج الصومال. لكن البنتاجون أشار على مدار عامين إلى استراتيجية دفاعية تؤكد على الانتقال إلى منطقة آسيا والهادئ للتمكن من مواجهة أفضل لروسيا والصين، مما يدفع بقضية الإرهاب إلى مرتبة أدنى في قائمة الأولويات. ووصف اسبر الاستراتيجية باعتبارها «منارتنا المرشدة». لكن وزير الدفاع الأميركي نشر أيضاً آلاف القوات الإضافية في الشرق الأوسط بعد شهور من الاضطرابات مع إيران.
وصرح المتحدث العسكري الكولونيل «كريس كارنس» بأن هناك نحو ستة آلاف جندي أميركي في أفريقيا منها حوالي 1400 في غرب أفريقيا، في النيجر أساساً. وهناك نحو 4400 جندي في شرق أفريقيا معظمهم في جيبوتي وما يتراوح بين 650 و800 جندي في الصومال يقدمون المشورة للقوات الأفريقية من أجل التصدي لجماعة «الشباب». وذكر مسؤول كبير من وزارة الدفاع- اشترط عدم الكشف عن اسمه مثل عدد كبير من المسؤولين الذين أدلوا بتصريحات لهذه القصة- أن التعديلات في أفريقيا قد تتضمن اعتماداً أكبر على مفهوم يطلق عليه البنتاجون «التوظيف الديناميكي للقوة» تنتقل فيه القوات دون الكثير من لفت الانتباه لإظهار الحضور الأميركي وعدم توقع تحركاته. لكن لم يتضح مدى ملائمة تطبيق هذا المفهوم في أفريقيا.
وذكر مسؤول دفاعي بارز آخر إلى أنه لم يُتخذ قرار بعد، لكن «أسبر» قلق مما عرف في الماضي ب «تسلل المهمة»، أي توسع الجهود تدريجيا. وأضاف المسؤول أن «اسبر» يعتقد أنه بوسع الحلفاء الأوروبيين الاضطلاع بمهام إضافية والسماح للبنتاجون بالتركيز في مناطق أخرى. وذكر مسؤولون آخرون من وزارة الدفاع أن الجنرال «ستيفن تاونسند» قائد القيادة الأفريقية سيزور واشنطن قريبا لإجراء مقابلات مقررة سلفا في البنتاجون والكونجرس. ومن المؤكد أن تجري مناقشة عمليات التقليص التي كانت صحيفة «نيويورك تايمز» هي أول من تحدث عنها الشهر الماضي.
ولفتت القضية انتباه الحكومة الفرنسية التي يتواجد 4500 من جنودها في مالي والدول المجاورة وتعتمد على الدعم الأميركي في الاستخبارات والنقل والمراقبة وإعادة التزود بالوقود جوا في مهمة محاربة الإرهابيين. وكانت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي قد أعلنت في الآونة الأخيرة أنها ستتوجه إلى واشنطن هذا الشهر في غمرة مخاوف متصاعدة من احتمال سحب الولايات المتحدة قواتها. ويوم 13 يناير، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه سيرسل مئات إضافية من جنوده إلى غرب أفريقيا وحث دول أوروبية أخرى على الانضمام إلى المعركة. كما عبر ماكرون عن قلقه من احتمال فقدان مساعدة الجيش الأميركي التي «لا بديل لها».
وحذر مسؤولون غربيون من أن تصبح منطقة الساحل الأفريقية ملاذاً مترامي الأطراف للإرهابيين الذين يخططون لهجمات على امتداد العالم. فقد أجبر المتشددون المنتسبون لـ«داعش» و«القاعدة» مئات الآف من السكان على النزوح في هذه المنطقة في الشهور القليلة الماضية. وذكر مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في واشنطن أن الاشتباكات في المناطق الريفية في مالي والنيجر وبوركينافاسو ارتفعت خمسة أمثال عما كانت عليه عام 2016، مما أثار مخاوف من احتمال تصاعد العنف.
وسعى المشرعون في الكونجرس إلى الحصول على المزيد من التفاصيل حول الأمور التي ينبغي أن تتضمنها الخطة. وأرسلت مجموعة من المشرعين من الحزبين في الأيام القليلة الماضية رسالة إلى «أسبر» جادلوا فيها بأن «التركيز الضيق على مواجهة روسيا والصين في منافسة قوة كبيرة هو عمل قصير النظر يضعف مكانة أمننا القومي إجمالا وقدرتنا على القيادة». وصرح النائب «الديمقراطي» أنطوني براون- أحد الموقعين على الرسالة- أنه قبل زيارة مالي والنيجر ونيجيريا الصيف الماضي كان يعتقد أن الولايات المتحدة يجب عليها تقليص حضورها العسكري في أفريقيا. لكنه أصبح يعتقد الآن أنه من المعقول تعزيز القوات قليلا بعد ما رأه من تعاون بين قوات العمليات الخاصة الأميركية وعمال الإغاثة من أجل تحقيق الاستقرار هناك.
رئيسة مكتب «واشنطن بوست» في غرب أفريقيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»