ما ورثه عامنا الجديد 2020 عن العام الذي ودعناه للتو 2019، لا يمكن قصره على مجال إقليمي دون غيره، لكن امتداد التأثيرات من داخل القارة الأفريقية ومن خارجها، يبدو متعدد الجوانب والأبعاد والمصادر، وتختلف هذه التأثيرات من منطقة إلى أخرى في القارة، حسب قوة المؤثر أو مصدر التأثير نفسه.
ولعل أكثر الأحداث بروزاً في هذا الشأن، هو انتقال رئاسة الاتحاد الأفريقي من مصر إلى مدغشقر، حيث انتقلت موجات الاحتفال من القاهرة، دون توقع تكرارها في مواقع أخرى بنفس التأثير والأهمية، ولا بد أننا في عام 2020 سنشهد تعويض القاهرة لغيابها عن الرئاسة الأفريقية، بتنشيط جوانب حية أخرى للدور المصري الحيوي في القارة، وقد بدأت بالفعل بعض مظاهر ذلك، وبوادره في أنشطة خاصة بالمرأة الأفريقية والشباب الأفريقي في القاهرة، وإن لم تحقق إلى الآن نجاحها المطلوب في نقل هذا النشاط إلى أنحاء من القارة، لم تطرقها مصر منذ وقت طويل.
ولم تخل القارة من تعبيرات سياسية جديدة، تدخل بها العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وفي هذا السياق يمكن أن نعتبر أن انتفاضة السودان أو ثورته، التي اكتسحت نظاماً بليداً مثل نظام الجماعات الإسلامية بقيادة عمر حسن البشير، كانت هدية عام 2019 لعام 2020، وذلك بفضل ما صنعه الشارع السوداني من ائتلافات حزبية ونقابية وشبابية نشطة، وما قدمته الديمقراطية الشعبية من طابع للحكم الجديد.
لقد امتدت شجاعة الشارع السياسي في القارة الأفريقية، إلى إجراء انتخابات تتسم بقدر معقول من الشفافية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، دخلت بها العام الجديد كمثال على انتقال شعب عانى كثيراً من الاضطرابات والعنف والفوضى السياسية لفترة طويلة، وإذا به يصبح مركز توازن مهم بين القوى الدولية الكبرى في وسط القارة الأفريقية.
وتدخل أفريقيا عامها الجديد أيضاً، بمعالجات تفاوضية حكيمة ومعقولة لمشكلة تلح على إقليم واسع في القارة، ألا وهي مشكلة سد النهضة.
ولا نستطيع هنا، أن ننفي قيمة بعض التفاعلات الثنائية التي تقوم بين بلد وآخر، مثل اقترابات مصر من تنزانيا أو تشاد، وظهور دول أفريقية بترولية جديدة، أو ما هو قائم بين جنوب أفريقيا ومنطقة «السادك» على وجه الخصوص.. بل سوف يشهد العقد الثالث عدداً من المؤتمرات الإقليمية المهمة في السنغال وغيرها.
وتشهد الثقافة، مساهمات حية أيضاً للقارة الأفريقية بين عامين، كان بعضها في مصر مثل ملتقى الثقافات الأفريقية، الذي يعقد كمؤتمر أفريقي عالمي كل عام.
وقد ورثت القارة تأثيرات محتملة لتحولات كبيرة في أوروبا نفسها؛ فخروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي كفيل بتغيرات في الدور الأوروبي داخل القارة الأفريقية، كجزء من تأثيرات التطور البريطاني نفسه، سواء في منطقة الكومنولث أو في تطور العلاقات الأفريقية الأوروبية بوجه عام.
وتظل علاقة التنافس أو التنسيق بين الروس والصين على مستوى القارة الأفريقية بمناطقها المختلفة، موضع اهتمام المراقبين، فبكين وروسيا أقرب للتنسيق والتوافق في مناطق مثل غرب أفريقيا، لكن طابع التنافس بينهما يبرز واضحاً في مناطق أخرى، وخاصة البترولية منها، مثلما يحدث في منطقة جنوب القارة، وتبدو المحاولات الاستقلالية صعبة بشكل واضح في بلد مثل تنزانيا.
وبينما تنشد دولة مثل الصين، الانتشار في أنحاء القارة بنهج اقتصادي لا يكلفها مواقف سياسية صعبة أو محرجة، فإن الروس يراعون اعتبارات كثيرة، ومع ذلك فالدولتان تلتقيان بالضرورة عند مواقع المصالح الحساسة أو ذات التأثير في مجالات النفوذ، وقد ظهر جدل التنافس والتنسيق الصيني الروسي بأوضح تجلياته في سعيهما نحو مشارف المحيط الهندي، الذي يبلور التفاف قوى عديدة في هذه المنطقة الحيوية.
لكن البلدان لا يلتقيان في كل المناطق الأفريقية؛ فالصين أكثر سعياً للمناطق البترولية، مثل أنجولا ونيجيريا.. وغيرهما، أما الروس فأكثر سعياً لمناطق النفوذ السياسي في الوقت ذاته،
بيد أن القارة عرفت ظهور لاعبين آخرين، ربما سيحدد عام 2020 مصيرهم على رقعة اللعب، وما إذا كانوا قادرين على الصمود والاستمرار.
*مدير مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة