في مداخلتي خلال المنتدى السنوي لجريدة «الاتحاد»، أشرت إلى مفهوم البيت الإبراهيمي، وقلت بأنه يجسد القواسم المشتركة التي تجمع الديانات التوحيدية، وهو الإيمان بالله الواحد الصمد والإيمان بجميع الرسالات السماوية والإيمان بالبعث والنشر والحساب. وكل الرسل هم من الشجرة العقائدية لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». وحنيفاً، يعني: متبعاً أمرَ الله وطاعته، مستقيماً على محجَّة الهدى التي أمر بلزومها، ومسلماً، يعني: خاشعاً لله بقلبه، متذللا له بجوارحه، مذعناً لما فَرَض عليه وألزمه من أحكامه. ولا جرم أن الباقي جزئيات متعلقة بالأحكام التي تتغير مع تغير الأزمان حيث بعث الله لكل زمان رسوله.
وتوقفتُ عند «وثيقة الأخوة الإنسانية»، وهي تفنيد لنظريات الصراع التي طغت في أزمنة متعددة، وعلى رأسها نظرية هينتنغتون، هذا الأيديولوجي الذي يريد أن يعطي للحضارات والهويات طبائع ليست فيها.. فهي ليست كيانات مغلقة، مفرغة من كل تلاقح وتمازج مع نظيرتها التي تحرك المسيرة الإنسانية منذ قرون، والتي سمحت، كما يكتب إدوارد سعيد، «ليس فقط باحتواء الحروب الدينية والتوسع الإمبريالي، بل جعلت التاريخ تاريخاً للتبادل والتفاهم والالتقاء الثري». وهذا كلام صحيح تماماً. ففي الحواضر الكبرى تعايش المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم في بيئة واحدة، فحميت الكنائس والبيع تماماً مثل المساجد، واستفادت من العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات السماوية. ولقد التقى المسلمون بعد فتوحاتهم على امتداد القرن الأول الهجري، مع شعوب كانت على جانب كبير من الحضارة وازدهار الثقافة، كالفرس والرومان والهند، فكانت المرحلة الأولى لهذا اللقاء مرحلة تصادم وصراع بين الفريقين. ورغم تفوق هذه الشعوب حضارياً يومئذ، فإنها أذعنت لسلطان الإسلام، فغدت تابعة لدار الخلافة في المدينة أو دمشق أو بغداد، لكن في مقابل هذه السيادة العربية السياسية الدينية ظلت حضارات البلاد المفتوحة وثقافاتها هي صاحبة السيادة. وهو ما جعل البعض يقول بحق: «إذا كان المسلمون قد فتحوا بلاد الأعاجم دينياً وسياسياً، فإن هؤلاء الأعاجم قد فتحوا عقول العرب ثقافياً وحضارياً»، وهو ما يعني أن الحوار الثقافي والحضاري بين العرب والفرس والرومان وغيرهم كان ضرورة حتمية، رغم الإقرار بأنه لم يكن سهلاً، ولا يحدث بوفاق أو تسامح في بداية الأمر، وإنما نتج عن مخاض وصراع دام أكثر من قرنين أو يزيد، بل الأكثر من ذلك، تمازجت الثقافات الدينية، النصرانية واليهودية مع الثقافة الدينية الإسلامية.
إن الصدام الحضاري لن يكون كما يكتب غراهام فولر «حول المسيح أوكونفوشيوس أو الرسول (ص) بل على سوء توزيع الثورة والقوة والنفوذ»، فهناك 20% من ساكنة العالم تنعم بظروف عيش الدول المتقدمة، والهوة تزداد اتساعاً بين الأغنياء والفقراء، وحسب تقارير المؤسسات الدولية، من ضمن ستة مليارات هم سكان العالم، يعيش ثلاثة مليارات منهم بأقل من دولارين في اليوم و1.2 مليار بأقل من دولار واحد في اليوم، أي تحت عتبة الفقر، وهناك 1.5 مليار من الساكنة لا تتوفر على الماء الصالح للشرب.
ومع هيمنة العولمة، تزداد فجوة الثراء في العالم، مما يزيد درجة السخط ويؤجج الصراعات الإثنية والعرقية.
ولا شك في أن تجربة دول مثل الإمارات في مجال التسامح، وكذلك التجربة المغربية، توحي بأنه ليست الثقافات هي المسؤولة عن هذه الفوضى الاجتماعية والفوارق الاقتصادية التي يعيشها العالم. وقد أشرت في تدخلي إلى قيمة المذهب المالكي المعمول به في كل من الإمارات والمغرب، ودوره في ترسيخ ثقافة الوسطية والاعتدال.
وبدل أن تقوم العولمة بإنماء الدول الفقيرة، كما كان متوقعاً، فهي في شكلها الحالي تخدم فقط «مصلحة القوى الاقتصادية الأكثر قدرة وقوة، ورغم أنها تشكل قيمة مضافة بالنسبة للمنافسة وتقدم الإنسانية، فهي لا تخدم إلا جزءاً من ساكنة العالم، القادرة على استغلال السوق والموارد المتوفرة».
وليست الثقافة العربية مسؤولة عن التراجع الحضاري واستمرار الضعف، وتفسير هذه الظاهرة بالعامل الديني أو الثقافي أو الحضاري.. هو هروب من مواجهة الواقع المر ومشكلاته الحقيقية.
وتوقفتُ عند «وثيقة الأخوة الإنسانية»، وهي تفنيد لنظريات الصراع التي طغت في أزمنة متعددة، وعلى رأسها نظرية هينتنغتون، هذا الأيديولوجي الذي يريد أن يعطي للحضارات والهويات طبائع ليست فيها.. فهي ليست كيانات مغلقة، مفرغة من كل تلاقح وتمازج مع نظيرتها التي تحرك المسيرة الإنسانية منذ قرون، والتي سمحت، كما يكتب إدوارد سعيد، «ليس فقط باحتواء الحروب الدينية والتوسع الإمبريالي، بل جعلت التاريخ تاريخاً للتبادل والتفاهم والالتقاء الثري». وهذا كلام صحيح تماماً. ففي الحواضر الكبرى تعايش المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم في بيئة واحدة، فحميت الكنائس والبيع تماماً مثل المساجد، واستفادت من العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات السماوية. ولقد التقى المسلمون بعد فتوحاتهم على امتداد القرن الأول الهجري، مع شعوب كانت على جانب كبير من الحضارة وازدهار الثقافة، كالفرس والرومان والهند، فكانت المرحلة الأولى لهذا اللقاء مرحلة تصادم وصراع بين الفريقين. ورغم تفوق هذه الشعوب حضارياً يومئذ، فإنها أذعنت لسلطان الإسلام، فغدت تابعة لدار الخلافة في المدينة أو دمشق أو بغداد، لكن في مقابل هذه السيادة العربية السياسية الدينية ظلت حضارات البلاد المفتوحة وثقافاتها هي صاحبة السيادة. وهو ما جعل البعض يقول بحق: «إذا كان المسلمون قد فتحوا بلاد الأعاجم دينياً وسياسياً، فإن هؤلاء الأعاجم قد فتحوا عقول العرب ثقافياً وحضارياً»، وهو ما يعني أن الحوار الثقافي والحضاري بين العرب والفرس والرومان وغيرهم كان ضرورة حتمية، رغم الإقرار بأنه لم يكن سهلاً، ولا يحدث بوفاق أو تسامح في بداية الأمر، وإنما نتج عن مخاض وصراع دام أكثر من قرنين أو يزيد، بل الأكثر من ذلك، تمازجت الثقافات الدينية، النصرانية واليهودية مع الثقافة الدينية الإسلامية.
إن الصدام الحضاري لن يكون كما يكتب غراهام فولر «حول المسيح أوكونفوشيوس أو الرسول (ص) بل على سوء توزيع الثورة والقوة والنفوذ»، فهناك 20% من ساكنة العالم تنعم بظروف عيش الدول المتقدمة، والهوة تزداد اتساعاً بين الأغنياء والفقراء، وحسب تقارير المؤسسات الدولية، من ضمن ستة مليارات هم سكان العالم، يعيش ثلاثة مليارات منهم بأقل من دولارين في اليوم و1.2 مليار بأقل من دولار واحد في اليوم، أي تحت عتبة الفقر، وهناك 1.5 مليار من الساكنة لا تتوفر على الماء الصالح للشرب.
ومع هيمنة العولمة، تزداد فجوة الثراء في العالم، مما يزيد درجة السخط ويؤجج الصراعات الإثنية والعرقية.
ولا شك في أن تجربة دول مثل الإمارات في مجال التسامح، وكذلك التجربة المغربية، توحي بأنه ليست الثقافات هي المسؤولة عن هذه الفوضى الاجتماعية والفوارق الاقتصادية التي يعيشها العالم. وقد أشرت في تدخلي إلى قيمة المذهب المالكي المعمول به في كل من الإمارات والمغرب، ودوره في ترسيخ ثقافة الوسطية والاعتدال.
وبدل أن تقوم العولمة بإنماء الدول الفقيرة، كما كان متوقعاً، فهي في شكلها الحالي تخدم فقط «مصلحة القوى الاقتصادية الأكثر قدرة وقوة، ورغم أنها تشكل قيمة مضافة بالنسبة للمنافسة وتقدم الإنسانية، فهي لا تخدم إلا جزءاً من ساكنة العالم، القادرة على استغلال السوق والموارد المتوفرة».
وليست الثقافة العربية مسؤولة عن التراجع الحضاري واستمرار الضعف، وتفسير هذه الظاهرة بالعامل الديني أو الثقافي أو الحضاري.. هو هروب من مواجهة الواقع المر ومشكلاته الحقيقية.