تحليل شخصية الرؤساء أحد المداخل المهمة لمعرفة سياستهم. فرغم وجود المؤسسات الرسمية للدول، فإن مساحة الاختيار لهم مازالت تؤهلهم لإبراز شخصياتهم. ويتغلب عليها التحليل النفسي لمعرفة تصوراتهم للعالم وموجهاتهم للسلوك. وقد كُتبت مئات الدراسات حول شخصيات الرؤساء وأثرها في قراراتهم السياسية، والربط بين سمة الشخصية والقرار السياسي، مثل بوش الأب وبوش الابن وقرارهما بغزو العراق وأفغانستان، ومثل خروتشوف وقراره بغزو أفغانستان. فالشخصية العدوانية لها علاقة بالعدوان على الشعوب، والشخصية المسالمة تظهر في الحديث عن حق الشعوب في تقرير المصير. وقد تعبّر الشخصية عن سمات ذاتية لها أو تعبر عن طبيعة الشعوب ومزاجها. فالحرب أقرب إلى مزاج الحزب الجمهوري (الأميركي)، والسلم أقرب إلى مزاج الحزب الديمقراطي، ومع ذلك فهذا الأخير لم يواجه التدخل العسكري الروسي في سوريا.
السياسة الخارجية ليست فقط تعبيراً عن مصالح الدول، ولكنها أيضاً تعبير عن شخصيات الرؤساء. فالإسكندر الأكبر وزحفه نحو الشرق في أفريقيا وآسيا، كان تعبيراً عن الرغبة في انتشار الفكر اليوناني وما تعلّمه من أرسطو، حتى يصبح الشرق إمبراطورية يونانية، ابتداءً من مصر. وزحف نابليون إلى أوروبا حتى روسيا، كان بهدف نشر مبادئ الثورة الفرنسية (الحرية والإخاء والمساواة). ولما أراد محمد علي، بشخصيته الطموحة، إحياء الدولة العثمانية ابتداءً من مصر، تكالبت إنجلترا وفرنسا على الأسطول المصري وحاصرته وقضت عليه وأجبرته على العودة إلى حدود مصر الطبيعية، حتى ترث هي ممتلكات «الرجل المريض». وقد أراد هتلر بشخصيته العرقية العدوانية أن يثبت تفوّق الجنس الآري وقدرته على السيطرة وإخضاع جميع شعوب أوروبا، بما في ذلك روسيا، لمشيئته الخاصة.
أما عندنا فقد جمعت شخصية جمال عبد الناصر وشخصية شارل ديجول النزوع نحو الاستقلال الوطني وحمايته. الأول عمل على تحرر مصر من الاحتلال البريطاني، والثاني على تحرر فرنسا من الغزو النازي الألماني. لم يتقابل الرجلان وجهاً لوجه، لكنهما تراسلا عن بعد. وكان كل منهما معجباً بشخصية الآخر وما يميزها من قدرة على التأثير والإلهام والإيحاء. وكانت شخصيتا محمد أنور السادات ومناحيم بيجين متشابهتين في الذكاء العملي وفي طريقة احتواء الآخر وافتراسه. الأول كان معنياً باسترداد سيناء في المقام الأول (دون باقي الأراضي العربية المحتلة الأخرى)، ولو لم يفعل ذلك لكانت سيناء الآن تعج بالمستوطنات الإسرائيلية، كما هو حال الضفة الغربية والجولان. والثاني عقَد معاهدة سلام مع مصر، أكبر دولة عربية، حتى يكسب قلوب باقي العرب.
وقد تشابه حسني مبارك وباراك حسن أوباما في الميل إلى الهدوء السياسي، وكانا أقرب إلى السلام منهما إلى الحرب، رغم أن مبارك كان من أبطال حرب أكتوبر؛ بتوجيه الضربة الأولى ضد إسرائيل بوساطة الطيران قبل العبور.
وعلى العموم، فإن الشخصية يمكن أن تتغير سماتها في ظروف معينة، فتنقلب على نفسها، وتظهر الوجه الآخر لها.. وهو احتمال يزداد في ميدان السياسة والعلاقات الدولية أكثر منه في ميادين الحياة العادية الأخرى.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة
السياسة الخارجية ليست فقط تعبيراً عن مصالح الدول، ولكنها أيضاً تعبير عن شخصيات الرؤساء. فالإسكندر الأكبر وزحفه نحو الشرق في أفريقيا وآسيا، كان تعبيراً عن الرغبة في انتشار الفكر اليوناني وما تعلّمه من أرسطو، حتى يصبح الشرق إمبراطورية يونانية، ابتداءً من مصر. وزحف نابليون إلى أوروبا حتى روسيا، كان بهدف نشر مبادئ الثورة الفرنسية (الحرية والإخاء والمساواة). ولما أراد محمد علي، بشخصيته الطموحة، إحياء الدولة العثمانية ابتداءً من مصر، تكالبت إنجلترا وفرنسا على الأسطول المصري وحاصرته وقضت عليه وأجبرته على العودة إلى حدود مصر الطبيعية، حتى ترث هي ممتلكات «الرجل المريض». وقد أراد هتلر بشخصيته العرقية العدوانية أن يثبت تفوّق الجنس الآري وقدرته على السيطرة وإخضاع جميع شعوب أوروبا، بما في ذلك روسيا، لمشيئته الخاصة.
أما عندنا فقد جمعت شخصية جمال عبد الناصر وشخصية شارل ديجول النزوع نحو الاستقلال الوطني وحمايته. الأول عمل على تحرر مصر من الاحتلال البريطاني، والثاني على تحرر فرنسا من الغزو النازي الألماني. لم يتقابل الرجلان وجهاً لوجه، لكنهما تراسلا عن بعد. وكان كل منهما معجباً بشخصية الآخر وما يميزها من قدرة على التأثير والإلهام والإيحاء. وكانت شخصيتا محمد أنور السادات ومناحيم بيجين متشابهتين في الذكاء العملي وفي طريقة احتواء الآخر وافتراسه. الأول كان معنياً باسترداد سيناء في المقام الأول (دون باقي الأراضي العربية المحتلة الأخرى)، ولو لم يفعل ذلك لكانت سيناء الآن تعج بالمستوطنات الإسرائيلية، كما هو حال الضفة الغربية والجولان. والثاني عقَد معاهدة سلام مع مصر، أكبر دولة عربية، حتى يكسب قلوب باقي العرب.
وقد تشابه حسني مبارك وباراك حسن أوباما في الميل إلى الهدوء السياسي، وكانا أقرب إلى السلام منهما إلى الحرب، رغم أن مبارك كان من أبطال حرب أكتوبر؛ بتوجيه الضربة الأولى ضد إسرائيل بوساطة الطيران قبل العبور.
وعلى العموم، فإن الشخصية يمكن أن تتغير سماتها في ظروف معينة، فتنقلب على نفسها، وتظهر الوجه الآخر لها.. وهو احتمال يزداد في ميدان السياسة والعلاقات الدولية أكثر منه في ميادين الحياة العادية الأخرى.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة