أزمة القيم الغربية لها عدة أوجه؛ فهناك تراجع الثقة في الديمقراطية الليبرالية، وفقدان الثقة في كونية حقوق الإنسان، وانهيار دعم المشاريع العابرة للبلدان، كما أن هناك أزمة دستورية في لندن، ورئيساً لا يعبأ كثيراً بالمعايير الديمقراطية في واشنطن، وتحديات لحرية الصحافة واستقلالية القضاء في كل مكان تقريباً.
وهذه الأزمة أيضاً وجه أكثر عنفاً ودموية؛ هو الحرب المتواصلة في سوريا، أو بالأحرى مرحلتها الأخيرة القاتلة والبطيئة والمدمرة. فحالياً يقاتل جيش الحكومة السورية آخر جيوب المعارضة المسلحة في إدلب، المحافظة السورية المتمردة الوحيدة المتبقية. وبينما يتقدم الجيش، يأتي على ما تبقى من عمل إنساني دولي في سوريا.
فخلافاً لاتفاقية جنيف، يضرب جيش الحكومة السورية المدنيين، بل يستهدف المرضى والجرحى، لذلك فقد توقفت جهات كثيرة عاملة في الميدان، مثل الفرق الطبية لمنظمة «أطباء بلا حدود»، عن تقديم إحداثيات المراكز الطبية للأمم المتحدة.
إنها حرب لا يريد أي بلد غربي استثمار جهد دبلوماسي فيها. فسابقاً، وخلال حروب أهلية أخرى في البوسنة أو تيمور الشرقية مثلا، كان ثمة مبعوث أميركي رفيع المستوى، ومفاوض أوروبي على القدر نفسه، وفريق أممي يحظى بدعم ميداني أميركي كامل. وبينما تدير أوروبا ظهرها للشرق الأوسط، وتدير إدارة ترامب ظهرها للعالم، يبدو ألا أحد له فرصة كبيرة في النجاح.
في كل يوم تقريباً، وبعيداً عن الإعلام، تستسلم تنظيمات صغيرة أو توافق على «وقف لإطلاق النار». لكن هذا لا يعني أن القتال سيتوقف. وفي هذا الإطار، يشير صديق مقيم في تركيا إلى أن سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد على بقية البلاد ما زالت هشة وضعيفة، وإلى أن اندلاع بؤر توتر جديدة قد يحدث في أي وقت. وحتى لو استسلم كل المتمردين في إدلب، فإن ذلك لا يعني أن 11 مليون لاجئ سوري المنتشرين في الخارج سيستطيعون العودة لوطنهم. فالأسد ربما لا يرغب في عودتهم، إذ سيكون من السهل عليه أكثر حكم سوريا بدونهم، ومعظمهم يكرهونه لأنه دمّر حياتهم.
بيد أن بعض السوريين ما زالوا يمارسون عملهم الصحافي حيث يقومون بنقل الحرب وتصويرها في محاولة لنشر قصصهم وتعبئة الرأي العام خارج البلاد. وقبل بضعة أشهر فقط، نجحت صورة استثنائية لطفلة في الخامسة من عمرها تحاول إنقاذ أختها الرضيعة من تحت أنقاض بيتهما المدمّر في إثارة عناوين الصحف. لكن البعض يتساءلون: لماذا لم يكترث أي أحد؟
بول كونروي، المصور الذي كان يرافق الراحلة ماري كولفن، صحافية جريدة «صانداي تايمز» البريطانية التي قُتلت في سوريا، يتذكر أنه وكولفن لطالما آمنا بأن تغطية الحرب قد تُحدث فَرقاً، إذ يقول: «كنا نعتقد أن العالم سيتابع.. هذا الجيش سيدمر المدنيين هنا.. لدينا مسؤولية معنوية لوقف المذبحة». أما الآن، يقول كونروي، فـ«ليس ثمة صورة واحدة ألتقطها يمكن أن تُحدث فرقاً».
والواقع أن أشياء كثيرة جداً فُقدت في سوريا: التزامنا بـ«منع الإبادة الجماعية»، ووعينا بـ«مسؤولية الحماية»، والتزامنا الطويل بصنع السلام وحفظ السلام، وأهم من ذلك؛ الشعور بمعاناة الآخرين!
*مؤرخة وكاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وهذه الأزمة أيضاً وجه أكثر عنفاً ودموية؛ هو الحرب المتواصلة في سوريا، أو بالأحرى مرحلتها الأخيرة القاتلة والبطيئة والمدمرة. فحالياً يقاتل جيش الحكومة السورية آخر جيوب المعارضة المسلحة في إدلب، المحافظة السورية المتمردة الوحيدة المتبقية. وبينما يتقدم الجيش، يأتي على ما تبقى من عمل إنساني دولي في سوريا.
فخلافاً لاتفاقية جنيف، يضرب جيش الحكومة السورية المدنيين، بل يستهدف المرضى والجرحى، لذلك فقد توقفت جهات كثيرة عاملة في الميدان، مثل الفرق الطبية لمنظمة «أطباء بلا حدود»، عن تقديم إحداثيات المراكز الطبية للأمم المتحدة.
إنها حرب لا يريد أي بلد غربي استثمار جهد دبلوماسي فيها. فسابقاً، وخلال حروب أهلية أخرى في البوسنة أو تيمور الشرقية مثلا، كان ثمة مبعوث أميركي رفيع المستوى، ومفاوض أوروبي على القدر نفسه، وفريق أممي يحظى بدعم ميداني أميركي كامل. وبينما تدير أوروبا ظهرها للشرق الأوسط، وتدير إدارة ترامب ظهرها للعالم، يبدو ألا أحد له فرصة كبيرة في النجاح.
في كل يوم تقريباً، وبعيداً عن الإعلام، تستسلم تنظيمات صغيرة أو توافق على «وقف لإطلاق النار». لكن هذا لا يعني أن القتال سيتوقف. وفي هذا الإطار، يشير صديق مقيم في تركيا إلى أن سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد على بقية البلاد ما زالت هشة وضعيفة، وإلى أن اندلاع بؤر توتر جديدة قد يحدث في أي وقت. وحتى لو استسلم كل المتمردين في إدلب، فإن ذلك لا يعني أن 11 مليون لاجئ سوري المنتشرين في الخارج سيستطيعون العودة لوطنهم. فالأسد ربما لا يرغب في عودتهم، إذ سيكون من السهل عليه أكثر حكم سوريا بدونهم، ومعظمهم يكرهونه لأنه دمّر حياتهم.
بيد أن بعض السوريين ما زالوا يمارسون عملهم الصحافي حيث يقومون بنقل الحرب وتصويرها في محاولة لنشر قصصهم وتعبئة الرأي العام خارج البلاد. وقبل بضعة أشهر فقط، نجحت صورة استثنائية لطفلة في الخامسة من عمرها تحاول إنقاذ أختها الرضيعة من تحت أنقاض بيتهما المدمّر في إثارة عناوين الصحف. لكن البعض يتساءلون: لماذا لم يكترث أي أحد؟
بول كونروي، المصور الذي كان يرافق الراحلة ماري كولفن، صحافية جريدة «صانداي تايمز» البريطانية التي قُتلت في سوريا، يتذكر أنه وكولفن لطالما آمنا بأن تغطية الحرب قد تُحدث فَرقاً، إذ يقول: «كنا نعتقد أن العالم سيتابع.. هذا الجيش سيدمر المدنيين هنا.. لدينا مسؤولية معنوية لوقف المذبحة». أما الآن، يقول كونروي، فـ«ليس ثمة صورة واحدة ألتقطها يمكن أن تُحدث فرقاً».
والواقع أن أشياء كثيرة جداً فُقدت في سوريا: التزامنا بـ«منع الإبادة الجماعية»، ووعينا بـ«مسؤولية الحماية»، والتزامنا الطويل بصنع السلام وحفظ السلام، وأهم من ذلك؛ الشعور بمعاناة الآخرين!
*مؤرخة وكاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»