تتكرر التصريحات الإيرانية غير المدروسة بحق دولة الإمارات العربية المتحدة، في توقيت كان من الأفضل فيه لإيران أن تُظهر المزيد من النوايا الحسنة تجاه دول الإقليم والعالم، وبخاصة بعد سقوطها في فخ القرصنة وتهديد أمن الملاحة، في مخالفة جسيمة وغير مسبوقة للقانون الدولي. وهذا ما يسرّع من التوجه في المنطقة نحو تشكيل تحالف دولي لتأمين الملاحة في مضيق هرمز، الذي أصبحت إيران تشكل خطراً على سير الملاحة فيه، ولم تعد مؤتمنة على الاشتراك في أية ترتيبات أمنية مستقبلية تتصل بهذا الغرض.
وبينما تدعي إيران حرصها على تأمين الملاحة بالشراكة مع الدول الخليجية، تسمح لمتطرفين يتقلدون مناصب داخل النظام الإيراني بإطلاق تصريحات وتهديدات بالاستعداد لضرب حركة الملاحة والتجارة ونقل النفط في مضيق هرمز. كما تسمح لهم بتصريحات حمقاء ومشينة حول الإمارات وشؤونها الداخلية وسياستها الخارجية الداعمة للاستقرار ولمحاربة الإرهاب والتطرف الطائفي.
ويبدو من سياق تضارب التصريحات التي تصدر من طهران، أن العالم لا يتعامل مع نظام إيراني يمتلك موقفاً واحداً وواضحاً، بل تظهر للمتابع تناقضات عديدة، كما يغيب التجانس والاتساق في الأقوال العشوائية التي يطلقها مسؤولون إيرانيون من دون وعي أو دراسة لنتائجها، وكذلك من خلال التضارب في التعليقات والتقييمات التي يتم إطلاقها على لسان ممثلين للنظام الإيراني. وبدلاً من أن تخدم تصريحاتهم توجهاً محدداً يساعد على دعم الاستقرار الإقليمي، فإنها تؤدي إلى مزيد من الفوضى وإلى نقل صورة عن نظام فوضوي يعاني من انقسامات بين أجنحته.
وما بين من يدعون الرغبة في الحوار، ومن يتاجرون أمام الإيرانيين بأوهام المقدرة على مواجهة العالم، يظهر بعض المسؤولين الإيرانيين الذين يجدون في التطاول على دول المنطقة فرصة لتحقيق بطولات إعلامية زائفة.
أحدث زلة لسان إيرانية غير محسوبة العواقب ضد دولة الإمارات، جاءت على لسان وزير دفاع إيراني سابق يعمل مستشاراً للشؤون الدفاعية في بيت المرشد، مرشد الدولة الدينية التي تقدم نفسها بأكثر من رأس وأكثر من ناطق رسمي، حتى أصبحت تذكّرنا بكائنات خرافية منقرضة، أكثر من كونها دولة عصرية يمكن التعامل معها وفق ضوابط وقواعد عقلانية.
تطاول المسؤول في بيت المرشد كان الهدف منه مخاطبة الداخل الإيراني، للتغطية على حقيقة أن نظام الملالي تورط في معاداة العالم وفقد ثقة العالم بمقدرته على تأمين مضيق هرمز. لذلك على إيران أن تعي أن دول الإقليم والمجتمع الدولي ككل يلاحظ مدى خطورة ازدواجية الخطابات والتصريحات التي يتم إطلاقها من طهران، والتي لا تظهر في مجملها أن ثمة دولة لها قنوات دبلوماسية موحدة. إذ يلمس العالم أنه يتعامل مع رؤوس كثيرة تتطوع للحديث باسم نظام إيراني مرتبك، يطلق العنان لكل من هب ودب للتطاول على الآخرين. بينما يحاول جانب ضعيف وهامشي من الصوت الرسمي الإيراني التصريح بدبلوماسية خجولة. وهذه الازدواجية لن تخدم إيران، بل سوف تؤدي إلى ردود أفعال إقليمية ودولية مشروعة.
من أبرز التناقضات في الخطاب الرسمي الإيراني مؤخراً، أن الرئاسة الإيرانية ترى أن طهران لم تفوت فرصة المفاوضات والحوار، وأنها لا تنوي فعل ذلك مستقبلا، كما ورد على لسان حسن روحاني، الذي حرص على تأكيد أن حكومته مستعدة للدخول في مفاوضات! لكن من الواضح أن هذا الخطاب موجه للغرب بهدف كسب الوقت لا أكثر، في ظل توزيع الأدوار بين أوساط ملالي إيران، بين جناح يروج للرغبة في التفاوض، وآخر يتطاول على القانون الدولي، ويهدد صراحة ومن دون أية مواربة بمواصلة تهديد أمن الملاحة في مضيق هرمز ومياه الخليج العربي، كما ورد حرفياً على لسان المسؤول الذي تطاول على دول المنطقة من داخل بيت المرشد.
وبدلاً من التطاول على الإمارات والمنطقة، كان على إيران التفرغ للبحث عن مخرج للخلاص من الضغوط الدولية التي تلاحقها. لكن نظام طهران يستمر في خداع الإيرانيين مدعياً بأن الآخرين يسعون إلى التفاوض معه. وضمن لعبة توزيع الأدوار، تكرر طهران إبداء الرغبة في تطوير العلاقات مع دول الخليج، وذلك بالتزامن مع مؤشرات جادة توحي باقتراب تشكيل تحالف عاجل، لتأمين الملاحة في الخليج، ووضع حد لتهديدات إيران.
*كاتب إماراتي