قبل أن يتوفى المفكر السياسي الأميركي صموئيل هنتنجتون –صاحب نظرية صراع الحضارات-، وضع كتاباً آخر نظّر فيه لصراع عنصري في الولايات المتحدة. مات هنتنجتون قبل أن يصل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وهو الرئيس الذي تجسد سياسته اليوم هذا الصراع. دور نظرية هنتنجتون حول المتغيرات الديموغرافية والثقافية والاجتماعية التي يمثلها المهاجرون من دول أميركا الجنوبية. وقد أصبحت هذه المتغيرات من الوضوح اليوم بحيث أن الرئيس الأميركي لم يعد يجد وسيلة أخرى للتصدي لها سوى ببناء الجدار الفاصل مع المكسيك.
تقول الأرقام الرسمية إن عدد الأميركيين المتحدرين من أصول أميركية جنوبية (هيسبانيك) ارتفع بنسبة تسعة إضعاف منذ عام 1960. وقد بلغ اليوم حوالي الستين مليوناً. وهم ينتشرون في معظم الولايات، ومع أن دورهم الاقتصادي أصبح دوراً مهماً، إلا أنهم في الوقت ذاته يغيّرون النسيج الاجتماعي حيثما يتواجدون. فهم يتحدثون بغير اللغة الإنجليزية، ويمارسون العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانوا يمارسونها في دولهم الأصلية، ثم إنهم يلتزمون بالكنيسة الكاثوليكية التي لا تنتمي إليها الأكثرية من الأميركيين البيض الذين يلتزمون بالكنائس الإنجيلية المختلفة، ثم إن نسبة الولادة لدى هؤلاء «الهيسبانيك» أعلى من نسبة الولادة لدى الأميركيين البيض، مما يعني أن المعادلة الديموغرافية في الولايات المتحدة معرضة لتغيير جذري.
وهذا التغيير يحدث الآن حتى في الولايات الأشد تعصباً للإنجيلية والأكثر رفضاً للملوّنين السود ومن الهيسبانيك على حد سواء، مثل ولاية كارولينا الشمالية، مسقط رأس كبير المبشّرين الانجيليين القس بيلي جراهام الذي توفي أخيراً عن عمر ناهز التسعين عاماً. ففي تسعينيات القرن الماضي، كان عدد «الهيسبانيك» في هذه الولاية البيضاء لا يزيد على الأربعين ألفاً. وكانوا يقومون بالأشغال المتواضعة. أما الآن فقد ارتفع عددهم إلى المليون.
ورغم ما يعرف عن هذه الولاية من تعصب ومن تشدد عنصري ضد الملونين والمهاجرين، فان الملونين يشكلون الآن ثلاثة بالمائة من عدد الناخبين، ويشكل المهاجرون عشرة بالمائة من عدد السكان. غير أن هذه الأرقام تتضاعف في ولايات أخرى مثل فلوريدا وكاليفورنيا وتكساس وسواها.
ولعل بوابة اختراق المجتمعات الأميركية تتمثل في أن الملونين من المهاجرين الهيسبانيك يقبلون العمل في وظائف وفي أعمال متواضعة لم يعد يقبل القيام بها البيض أو السود. وهم يقبلون العمل برواتب منخفضة أيضاً، ثم إن عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة يبلغ الآن 11 مليوناً. معظمهم من دول أميركا الوسطى والجنوبية. وقد أثبتت التجربة انهم يستعصون على الذوبان في المجتمع، بل إنهم يشكلون مجتمعاً موازياً في لغتهم وثقافتهم واجتماعياتهم، مما يزيد من التوترات الداخلية، ويدفع البلاد نحو ما توقعه هنتنجتون من صراع عنصري!
من هنا تعتبر الأكثرية –حتى الآن- من البيض الأميركيين أن التنوع العنصري في الولايات المتحدة بات يشكل خطراً عليهم.. وعلى هويتهم الثقافية، وحتى الدينية. ويوظف الرئيس ترامب هذه المشاعر التي تتضخم يوماً بعد يوم في حملاته السياسية في مواجهة خصومه السياسيين. وخلافاً لكل الحسابات الحالية، فان تعامله مع هذه المخاوف ربما يحمله إلى البيض الأبيض في دورة رئاسية ثانية. مع ذلك، فإن كثيراً من علماء الاجتماع الأميركيين باتوا ميّالين إلى الاعتقاد بأن معركة التغيير قد حُسمت. وأن الولايات المتحدة لن تتمكن من العودة إلى الوراء. فالتعددية العرقية بأبعادها الثقافية والاجتماعية والدينية، باتت أمراً واقعاً. وأن مواجهتها ربما تؤدي إلى «صراع حضارات» داخل الولايات المتحدة على النحو الذي توقعه هنتنجتون وحذر منه.
من هنا، حتى إذا تمكّن الرئيس ترامب من بناء الجدار الفاصل مع المكسيك، فإن الوقائع داخل الولايات المتحدة تشير إلى أن ذلك لن يمنع التغيير الذي أصبح حقيقة راهنة. فالجدار قد يؤخر اكتمال التغيير ولكنه لن يقوى على منعه. فمع الجدار أو بدونه، فان أميركا الغد لن تكون أميركا اليوم !
تقول الأرقام الرسمية إن عدد الأميركيين المتحدرين من أصول أميركية جنوبية (هيسبانيك) ارتفع بنسبة تسعة إضعاف منذ عام 1960. وقد بلغ اليوم حوالي الستين مليوناً. وهم ينتشرون في معظم الولايات، ومع أن دورهم الاقتصادي أصبح دوراً مهماً، إلا أنهم في الوقت ذاته يغيّرون النسيج الاجتماعي حيثما يتواجدون. فهم يتحدثون بغير اللغة الإنجليزية، ويمارسون العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانوا يمارسونها في دولهم الأصلية، ثم إنهم يلتزمون بالكنيسة الكاثوليكية التي لا تنتمي إليها الأكثرية من الأميركيين البيض الذين يلتزمون بالكنائس الإنجيلية المختلفة، ثم إن نسبة الولادة لدى هؤلاء «الهيسبانيك» أعلى من نسبة الولادة لدى الأميركيين البيض، مما يعني أن المعادلة الديموغرافية في الولايات المتحدة معرضة لتغيير جذري.
وهذا التغيير يحدث الآن حتى في الولايات الأشد تعصباً للإنجيلية والأكثر رفضاً للملوّنين السود ومن الهيسبانيك على حد سواء، مثل ولاية كارولينا الشمالية، مسقط رأس كبير المبشّرين الانجيليين القس بيلي جراهام الذي توفي أخيراً عن عمر ناهز التسعين عاماً. ففي تسعينيات القرن الماضي، كان عدد «الهيسبانيك» في هذه الولاية البيضاء لا يزيد على الأربعين ألفاً. وكانوا يقومون بالأشغال المتواضعة. أما الآن فقد ارتفع عددهم إلى المليون.
ورغم ما يعرف عن هذه الولاية من تعصب ومن تشدد عنصري ضد الملونين والمهاجرين، فان الملونين يشكلون الآن ثلاثة بالمائة من عدد الناخبين، ويشكل المهاجرون عشرة بالمائة من عدد السكان. غير أن هذه الأرقام تتضاعف في ولايات أخرى مثل فلوريدا وكاليفورنيا وتكساس وسواها.
ولعل بوابة اختراق المجتمعات الأميركية تتمثل في أن الملونين من المهاجرين الهيسبانيك يقبلون العمل في وظائف وفي أعمال متواضعة لم يعد يقبل القيام بها البيض أو السود. وهم يقبلون العمل برواتب منخفضة أيضاً، ثم إن عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة يبلغ الآن 11 مليوناً. معظمهم من دول أميركا الوسطى والجنوبية. وقد أثبتت التجربة انهم يستعصون على الذوبان في المجتمع، بل إنهم يشكلون مجتمعاً موازياً في لغتهم وثقافتهم واجتماعياتهم، مما يزيد من التوترات الداخلية، ويدفع البلاد نحو ما توقعه هنتنجتون من صراع عنصري!
من هنا تعتبر الأكثرية –حتى الآن- من البيض الأميركيين أن التنوع العنصري في الولايات المتحدة بات يشكل خطراً عليهم.. وعلى هويتهم الثقافية، وحتى الدينية. ويوظف الرئيس ترامب هذه المشاعر التي تتضخم يوماً بعد يوم في حملاته السياسية في مواجهة خصومه السياسيين. وخلافاً لكل الحسابات الحالية، فان تعامله مع هذه المخاوف ربما يحمله إلى البيض الأبيض في دورة رئاسية ثانية. مع ذلك، فإن كثيراً من علماء الاجتماع الأميركيين باتوا ميّالين إلى الاعتقاد بأن معركة التغيير قد حُسمت. وأن الولايات المتحدة لن تتمكن من العودة إلى الوراء. فالتعددية العرقية بأبعادها الثقافية والاجتماعية والدينية، باتت أمراً واقعاً. وأن مواجهتها ربما تؤدي إلى «صراع حضارات» داخل الولايات المتحدة على النحو الذي توقعه هنتنجتون وحذر منه.
من هنا، حتى إذا تمكّن الرئيس ترامب من بناء الجدار الفاصل مع المكسيك، فإن الوقائع داخل الولايات المتحدة تشير إلى أن ذلك لن يمنع التغيير الذي أصبح حقيقة راهنة. فالجدار قد يؤخر اكتمال التغيير ولكنه لن يقوى على منعه. فمع الجدار أو بدونه، فان أميركا الغد لن تكون أميركا اليوم !