في 3 فبراير الماضي نُشِرَت تصريحات للدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، مفادها أنه إذا مضت سياسات التعريفة الجمركية في مسارها وفقاً لما أعلنه ترامب، فسنكون بصدد الحرب التجارية العالمية الأولى من حيث الاتساع والعمق، وإذا استمرت هذه السياسات فسوف نكون في وضع يُقارن بأوضاع الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي، والأوضاع التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
وقد جاءت هذه التصريحات بعد أيام من فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات الكندية والمكسيكية و10 في المئة على السلع الصينية، وكذلك على جميع واردات الطاقة من كندا، وقد كان، حيث استمرت السياسات وتصاعدت، لنصل في 3 أبريل الجاري إلى توقيع ترامب أمراً تنفيذياً فرض رسوماً جمركية على واردات بلاده بنسب متفاوتة، وصلت أعلاها في حالة ليسوتو (50 في المئة)، وأدناها في حالة أستراليا والمملكة المتحدة وبعض الدول العربية (10 في المئة). وبين الحدين، الأعلى والأدنى، احتلت الصين، وهي المنافس التجاري الأول للولايات المتحدة، مرتبةً متقدمةً بنسبة رسوم جديدة بلغت 34 في المئة. لكن الملاحظة المهمة هي أن الحرب الجمركية امتدّت للجميع، دون تمييز بين الحلفاء الخصوم، ولا بين الأصدقاء والأعداء.
وعلى سبيل المثال كان نصيب تايوان، والتي تُعتبر الولايات المتحدة ضامناً لأمنها، رسوماً بنسبة 32 في المئة، أي أقل قليلاً من الصين. وكانت نسبة كوريا الجنوبية 25 في المئة، واليابان 24 في المئة، والاتحاد الأوروبي 20 في المئة.. وهكذا. ويستطيع القارئ المهتم أن يعود للقائمة الكاملة للبلدان التي فُرِضَت عليها الرسوم الجمركية، ليكتشف بسهولة أنها بُنيت على اعتبارات اقتصادية محضة، أو بالأحرى على نسبة ما يعتقد ترامب ورجال إدارته أنه سرقة تقوم بها الدول الأجنبية للثروة والأميركية.
وقد كتب الخبير الاقتصادي المرموق الدكتور مدحت نافع افتتاحيته لصحيفة «المصري اليوم»، في 5 أبريل الجاري، تحت عنوان «من تحرير التجارة إلى تحريم التجارة»، وهو عنوان بالغ الدلالة على مغزى القرارات التي اتخذها ترامب والتداعيات المحتملة الناجمة عنها، قائلاً إنها تُعد «انقلاباً» على المبادئ التي صنعت للولايات المتحدة تفردَها وتميزَها الاقتصادي، أي مبادئ تحرير التجارة وحركة الأموال والأفراد، وذلك بدعوى أنها لم تعُد تحقق المصالح الأميركية ولا تعزّز رفاهية المواطن الأميركي، وتسببت في تعرض الولايات المتحدة لـ«السرقة» من شركائها التجاريين عبر عقود!
ولفت الدكتور نافع إلى تداعيات ما سبقت الإشارة إليه من أن شمول التعريفات الجديدة للعدو والصديق معاً قد ضيّع على ترامب فرصة التكتل مع شريكه التجاري وحليفه الأهم (الاتحاد الأوروبي وبريطانيا) لمواجهة المنافسين، وأفسح المجال لتكتلات وتفاهمات مناهضة للسياسة الأميركية. وبالفعل، فلأن الضرر قد طال الجميع، وإن بدرجات متفاوتة، كان الحديث عن إجراءات الرد شاملاً، وإن تفاوتت حدته بحيث بلغت أدناها في الدول ذات النصيب المحدود من هذه الرسوم، بينما يُلاحظ حدة ردود فعل دول حليفة مثل كندا فرنسا وغيرهما.
ولا يقل عن ذلك أهمية تلك المظاهرات المعارضة التي شهدتها ولايات أميركية عديدة، وإن كان تأثيرها لن يكون فورياً، لسيطرة ترامب على مجلسي الكونجرس، فإن ذلك التأثير قد يظهر بعد أقل من سنتين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والتي قد تنهي بسيطرة ترامب على مجلسيه. وكذلك فإن احتمالات فشل هذه السياسة التجارية واردة، وهو ما يمكن أن يلعب دوراً في وضع حد لسياسات أخرى، وهذه قصة أخرى أيضاً.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة