إذا كان دونالد ترامب جاداً بشأن انتزاع السيطرة على جرينلاند من الدنمارك، فعليه أن يبدأ في حساب الأرقام. فقد تمكن من إثارة غضب السياسيين في جرينلاند، ومعظمهم مؤيدون للاستقلال، وفي الوقت نفسه استفز الدنماركيين، الذين تمثل لهم هذه الجزيرة شبه المستقلة 98% من أراضيهم السيادية. هذا ليس بالأمر الذكي لشخص يرى نفسه بارعاً في إبرام الصفقات. تظل فكرة الاستحواذ على أكبر جزيرة في العالم احتمالاً بعيد المنال.

ولكن، على عكس تهديدات ترامب بضم كندا، فهي ليست فكرة عبثية تماماً - بل إنها ليست جديدة حتى. فقد اقترحها «أندرو جاكسون» (الرئيس السابع للولايات المتحدة) عام 1832. وعرض «هاري ترومان» (الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة) سراً شراءها من الدنمارك في عام 1946 مقابل دفع ثمنها بالذهب، لكن لم تؤتِ تلك المحاولات ثمارها. بالطبع، بعض من أفكار ترامب تنبع من طموحاته، فجرينلاند (836000 ميل مربع) ستكون أكبر استحواذ إقليمي من ألاسكا (663000 ميل مربع) أو حتى شراء لويزيانا (828000 ميل مربع).

من السهل تخيله وهو يتفاخر بهذه الإنجازات ويخطط لإعادة تسمية الجزيرة. (أرض «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى - ماجا»؟ أو جزيرة ترامب؟ ويمكن تسميتها «بارّونيا»، تيمناً بابنه الأصغر؟ هناك أمور أغرب تحدث بالفعل). على سبيل الجدل، دعونا نفترض أن ترامب يمكنه البدء في تقديم حجة استراتيجية لجذب جرينلاند إلى فلك واشنطن، بدءاً بالأمن - لإبقاء الصين وروسيا خارجاً وتوسيع الوجود الأميركي في القطب الشمالي. سيتم تعزيز الحجة من خلال الجوانب الاقتصادية: تعظيم وصول الولايات المتحدة إلى احتياطيات جرينلاند الغنية بالمعادن المهمة، لا سيما مع تغير المناخ الذي يفتح فرصاً جديدة لاستخراجها.

حتى لو تمكن ترامب من إقناع الأميركيين بأن جرينلاند يجب أن تكون جزءاً من الولايات المتحدة، فإنه سيحتاج أيضاً إلى إقناع أهل جرينلاند والدنماركيين. يجب أن يتناول أي عرض أميركي جاد مسألتين رئيسيتين: وضع جرينلاند في الفلك الأميركي وقيمتها المالية. نظراً إلى التوافق شبه الجماعي في جرينلاند على الاستقلال، فإن السيناريو الأقل واقعية سيكون الضم، أي جعل الجزيرة الولاية الأميركية رقم 51. كما أن معظم الأحزاب السياسية في جرينلاند غير متحمسة لأن تصبح الجزيرة إقليما أميركيا مثل بورتوريكو أو جوام. قال رئيس وزراء جرينلاند الجديد، «ينس-فريدريك نيلسن» بعد أن كرر ترامب هدفه: «نحن لا نريد أن نكون أميركيين. لا، نحن لا نريد أن نكون دنماركيين. نحن نريد أن نكون جرينلانديين، ونريد استقلالنا في المستقبل». قد يكون نموذج جزر مارشال أكثر واقعية، وهي إقليم أميركي سابق في المحيط الهادئ حصل على استقلاله ثم دخل في «اتفاقية الارتباط الحر» مع الولايات المتحدة منذ حوالي 40 عاماً.

وتتمتع ميكرونسزيا (منطقة فرعية من قارة أوقيانوسيا) وبالاو (دولة جزيرة في غرب المحيط الهادئ) بالوضع نفسه. بموجب ترتيب جزر مارشال، الذي ليس له تاريخ انتهاء، تتحكم واشنطن في أمن ودفاع الدولة. توجد هناك حامية للجيش الأميركي وموقع لاختبار الدفاع الصاروخي، ويمكن لمواطني الجزر السفر إلى الولايات المتحدة من دون تأشيرة والانضمام إلى قواتها المسلحة. يمكن أن يوفر ترتيب مشابه لجرينلاند استقلالها وعضويتها في الأمم المتحدة، مع منح الولايات المتحدة سلطة مراقبة والتحكم في المياه والمجال الجوي حولها.

وبعيداً عن ذلك: المال. عرض ترومان على الدنمارك ذهب بقيمة 100 مليون دولار - أي ما يعادل حوالي 1.6 مليار دولار اليوم، دون احتساب ارتفاع أسعار الذهب. لكن ذلك العرض، الذي تم قبل أن تمتلك موسكو أسلحة نووية أو تصبح الصين قوة عظمى، لا يُعتبر نقطة انطلاق مناسبة لتقييم القيمة الاستراتيجية لجرينلاند اليوم. تتراوح التقديرات الحديثة لقيمة جرينلاند السوقية بين 12.5 مليار دولار و77 مليار دولار، وفقاً لاقتصادي استشارته صحيفة نيويورك تايمز، وقد تصل إلى 1.1 تريليون دولار، وفقاً لتقييم صحيفة فايننشال تايمز.

يصر السياسيون في الدنمارك وجرينلاند على أن الجزيرة ليست للبيع. لكن عرضاً من ترامب برقم كبير - 200 مليار دولار، على سبيل المثال، وهو ما يعادل تقريباً ضعف إجمالي الإنفاق السنوي للحكومة الدنماركية - قد يحفّز النقاش في نوك (عاصمة جرينلاند) وكوبنهاجن. ولتعزيز التأثير السياسي، يمكنه تقديم حافز إضافي يتمثل في مدفوعات مباشرة لسكان جرينلاند أنفسهم. فدفع 500000 دولار لكل من سكان الجزيرة البالغ عددهم 56000 نسمة، موزعة على خمس سنوات، أي بمبلغ إجمالي يصل إلى حوالي 28 مليار دولار.

  • كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية.
  • ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»