في بحثهم عن خطاب مناهض لترامب، وجد «الديمقراطيون» كلمةً مناسبة: «الأوليجارشية»، أو حكم الأقلية، كانت جزءاً من خطاب وداع جو بايدن، وهي محورية في حملة السيناتور بيرني ساندرز الانتخابية، وتظهر في النصائح التي يقدمها مستشارو أوباما السابقون. تهدف هذه الكلمة إلى الجمع بين ثراء ترامب، والنفوذ الكبير لإيلون ماسك، وصورة كبار رجال وادي السيليكون في حفل التنصيب مع الانتقادات «الديمقراطية» التقليدية لـ«الجمهوريين» باعتبارهم حزب الأثرياء.
لا أريد إصدار أحكام مسبقة على فعاليتها الخطابية. ولكن كسرد لفهم إدارة ترامب الثانية، فإن لغة «الأوليجارشية» تُخفي أكثر مما تكشف. إنها تُشير إلى رؤية ترامبية يتولى فيها المليارديرات والشركات الكبرى زمام الأمور. وبالتأكيد، فإن بعض بنود أجندة «الجمهوريين» المألوفة -مثل إلغاء القيود وتخفيضات ضرائب الشركات- تتوافق مع هذا السيناريو.
لكن فيما يتعلق بسياسات ترامب الأكثر إثارةً، فإن الكثير مما يمكن تسميته بالأوليجارشية الأميركية إما غير مبالٍ أو متشكك أو معارض بشدة.
لنبدأ بالحملة ضد الوعي والتنوع والمساواة والشمول، وهي معركة تمتدّ إلى ما وراء البيروقراطية الفيدرالية لتشمل كل شيء (صنع سياسات الولايات، التوظيف الجامعي) المتأثر بالتمويل الفيدرالي. هل هذا بندٌ محوريٌّ في أجندة الأوليجارشية؟ ليس تماماً. صحيحٌ أن بعض كبار رجال الأعمال سئموا من مطالب النشطاء، ورحبوا بالتحول نحو اليمين. لكن قبل الثورات التي بدأت بسياسيين مثل «رون ديسانتيس» ونشطاء مثل «كريستوفر روفو»، كانت الأوليجارشية الاقتصادية حليفاً أو عميلاً للصحوة الكبرى، إما بقبول قيود التقدمية الجديدة كثمنٍ لممارسة الأعمال التجارية أو بتشجيعها بنشاطٍ للتنوع والشمول كاستراتيجية إدارية وتجارية.
بعبارةٍ أخرى، رأس المال مرن. يمكن أن يكون تقدمياً أو محافظاً، اعتماداً على التيارات السائدة، وسيتكيف مرة أخرى إذا تلاشى العداء لسياسات التنوع والشمول.
بعد ذلك، لننظر إلى ما يُسمى بوزارة كفاءة الحكومة، التي أنشأها ماسك، وسعيها المحموم لتقليص العقود والمنح وأعداد الموظفين في الوكالات الحكومية. هل هذه أوليجارشية؟ لا شك أن بعض الشركات مستعدة لملء الفراغ، الذي تركه تراجع القطاع العام. لكن قطاع الشركات الأميركي ككل متورط بشدة في التعاقدات الحكومية، ويستثمر بكثافة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومعتاد على علاقات الضغط الودية، ومتحمس للاستفادة من سخاء الحكومة.
لذا، لا يوجد استثمار كبير من الشركات في تقليص عدد الموظفين الحكوميين عشوائياً، وهناك قلق كبير من الشركات بشأن ما قد يعنيه قانون كفاءة الحكومة لأنواع محددة من نفوذ القطاع الخاص، التي انتشرت في جميع أنحاء واشنطن.
وحتى مع «ماسك» نفسه، باعتباره الأوليجارشي الأول: فرغم كل الطرق التي قد يستخدم بها نفوذه للتلاعب بالنظام، فإن التأثير المباشر لحملته هو تقويض شركة تسلا، أهم شركاته، وتقليص صافي ثروته بشكل كبير (نعم، لا تزال تتفوق على العالم). (إن المخاطر التي تهدد منصبه في حال خسارة الجمهوريين للسلطة أشد وطأة). لذا، ينبغي أن نأخذه على محمل الجد، ولو إلى حد ما، عندما يتحدث كشخص ليبرالي أو مؤمن حقيقي بأزمة الديون، فهو يضع ثروته الصافية في خدمة تلك الأفكار، لا مجرد استغلال السلطة لزيادة ثروته.
وأخيراً، من الواضح أن الأفكار الشعبوية، لا المصلحة الذاتية الأوليجارشية، هي العامل المحفّز وراء خطوة ترامب الأكثر خطورة: تجربة التعريفات الجمركية الكبرى. بالطبع، هناك رجل أعمال بارز سيستفيد من الحمائية في مكان ما، لكن التعميم لا يزال قائماً: عندما يتعلق الأمر بكبار رجال الاقتصاد الأميركي، لا أحد يريد هذا.
الأشخاص الذين يدعمون هذه السياسة هم النسخة اليمينية من منتقدي الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) الذين أثروا على إدارة بايدن: المثقفون والمسؤولون المعارضون الذين يعتبرون أنفسهم أبطالاً للدوائر الانتخابية ذات المستوى الأدنى التي لا تخدمها منظومة معولمة مصممة لمصلحة المستثمرين والشركات وأصحاب المليارات.
هناك العديد من الطرق التي لم يستطع ترامب من خلالها الوفاء بوعوده الشعبوية، لكن رؤيته لنظام تجاري جديد هي الشعبوية في أنقى صورها، إنها ترفض إجماع الأكاديميين والطبقة العليا، وتعد بمنافع طويلة الأجل للطبقة العاملة مقابل معاناة قصيرة الأجل للمستثمرين الأثرياء.
وبهذا، لا يمكن مهاجمتها بشكل فعّال بالطرق التي يفضلها ساندرز أو أي «ديمقراطي» يساري. إنها ليست مكافأة لأكبر ممولي ترامب (بل يكرهونها). وليست تنازلاً لوول ستريت (بل يعارضونها). وليست تعميقاً للرأسمالية النيوليبرالية، بل رفضاً لمبادئها.
بدلاً من ذلك، الفرصة المتاحة لـ«الديمقراطيين»، كما كانت الفرصة المتاحة للجمهوريين مع تجربة بايدن بعد النيوليبرالية، تعتمد على التأثيرات الاقتصادية الفعلية. إذا تعثر الاقتصاد بينما تؤدي تخفيضات ماسك للميزانية الفيدرالية إلى مشكلات في البرامج الحكومية الشعبية، فسيكون لدى «الديمقراطيين» طريق واضح للعودة إلى السلطة. لكنهم لن يقودوا ثورة ضد الأوليجارشية، بل سيعدون بالعودة إلى الوضع السابق.

روس دوثات*
 *كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»