يتزايد الحديث في السنوات الأخيرة عن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على حياة البشر بصورة عامة، وعلى سوق العمل بصورة خاصة.

ودعونا نستعرض نماذج من الدراسات الدولية المتخصصة في تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل لنقف على أهمية هذا الأمر. فقد أجرت دورية «هارفارد لإدارة الأعمال»، التابعة لكلية هارفارد لإدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية دراسة مسحية، في الفترة من يوليو 2021 إلى يوليو 2023 تم خلالها تحليل 1.388.711 مليون إعلان وظيفة على إحدى منصات العمل الحر الرائدة على الإنترنت. وخلصت الدراسة إلى العديد من النتائج منها أن الوظائف ستحتاج نوعية معينة من الأشخاص بمهارات مختلفة تماماً بسبب تأثير الذكاء الاصطناعي على الشركات. وقد شهدت الوظائف المعرضة للأتمتة مثل الكتابة والترميز انخفاضات كبيرة في الطلب، بينما بدأت أنواع جديدة من العمل تتطلب مهارات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الظهور.

وفي المملكة المتحدة، قامت «مؤسسة توني بلير للتغير العالمي» بنشر دراسة نهاية العام الماضي تستعرض تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل هناك. ومن ضمن نتائج الدراسة أن تبني الشركات للذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر ما يقرب من ربع وقت القوى العاملة في القطاع الخاص - وهو ما يعادل الناتج السنوي لستة ملايين عامل. وفي الوقت الذي ستكون المهن والقطاعات التي تنطوي على عمل يدوي معقد مثل المهن الماهرة أو البناء أقل تعرضاً للذكاء الاصطناعي، فإن المهن التي تقوم على المهام الروتينية، وخاصة في المهن الإدارية، بجانب الوظائف كثيفة البيانات (مثل البنوك ومؤسسات التمويل)، ستكون أكثر تعرضاً لاستبدال موظفيها بنماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة.

وتذكر دراسة أميركية أخرى أن 30% من العاملين في جميع أنحاء العالم يخشون أن يحل الذكاء الاصطناعي محل وظائفهم في غضون السنوات الثلاث المقبلة. كما تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل نحو 800 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم بحلول عام .

ومن المتوقع أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على 45 مليون وظيفة أميركية بحلول عام 2030. وأخيرا، أظهر استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي مطلع العام الجاري أن 41% من أصحاب العمل يعتزمون تقليص حجم القوى العاملة لديهم، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بأتمتة مهام معينة. ومن بين مئات الشركات الكبرى التي شملتها الدراسة حول العالم، قالت 77% منها أيضاً، إنها تخطط لإعادة تشكيل مهارات موظفيها الحاليين، وتحسين مهاراتهم بين عامي 2025 و2030 للعمل بشكل أفضل جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي.

وبصورة عامة، فإن الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، تتضمن إدخال البيانات والمهام الإدارية، وخدمة العملاء، ووظائف خطوط التصنيع والتجميع، والبيع بالتجزئة، والأدوار التحليلية الأساسية، مثل التحليل المالي البسيط أو إعداد التقارير، والتصميم الجرافيكي للمبتدئين، والترجمة، والتصوير الفوتوغرافي الروتيني للشركات، تلك كانت نظرة سريعة حول التحولات التي تحدث وتستمر في الحدوث في سوق العمل العالمية بسبب تبني نماذج الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي سيشهد انتهاء عصر قيام البشر بوظائف مختلفة ومتعددة، ونشوء وظائف جديدة مرتبطة كلياً بالذكاء الاصطناعي، وتتطلب نوعية خاصة من المهارات والقدرات.

*باحث إماراتي