يُعرف دونالد ترامب بحبه للرئيس الأميركي في القرن ال19ـ ويليام ماكينلي، والذي ينسب إليه الفضل في تحسين الولايات المتحدة «من خلال التعريفات الجمركية والمواهب». والآن، هناك رابط آخر يجمعهما. فالاحتياطي الوطني المقترح من قبل ترامب من العملات المشفرة، بما في ذلك البيتكوين وشبكة سولانا التي تركز على الميمكوين، يشبه إلى حد بعيد الصراع على نظام نقدي مدعوم بكلٍّ من الفضة والذهب في عهد ماكينلي. وتكمن الخطورة اليوم في نشوء فقاعة مضاربة تهدد الدولار الأميركي، خاصةً مع التعريفات الجمركية التي قرر ترامب فرضها على غرار ماكينلي، والتي ستضيف المزيد من الأعباء. إن الاحتياطيات المشفرة تمثل منطقةً مجهولةً لأي دولة، ناهيك عن الولايات المتحدة، كما أن ترامب لم يقدم تفاصيل واضحة حول ذلك. إلا أن لغته تتجاوز مجرد بناء مخزون من البيتكوين أو الاحتفاظ بـ17 مليار دولار من العملات المشفرة التي صادرتها الجهات الأميركية المختصة. واستشهاده الصريح برموز أخرى مثل «ريبل» يوحي بعملية شراء حكومية غير مسبوقة للأصول الرقمية، التي تتسم بتقلب شديد وتخضع لمراقبة تنظيمية صارمة. هذا الأمر يمثل سابقة مقلقة بحد ذاته: فإلى جانب مخاطر الخسارة، لدى عائلة ترامب مصلحة مباشرة في نجاح العملات المشفرة، بما في ذلك عبر عملة «ترامبكوين» القائمة على شبكة سولانا. وهذه التدابير ستثير مزيداً من المخاوف بشأن المصالح الشخصية. لكن هناك تداعيات أوسع، تمتد إلى تسييس موجات الهوس النقدي الشعبي في تسعينيات القرن الـ19. آنذاك، كان «أنصار الفضة»، وهم المزارعون المدينون الذين يعانون من انخفاض الأسعار، غير راضين عن تحوُّل الولايات المتحدة إلى معيار الذهب كونه السلعة الوحيدة المقبولة مقابل الدولار، وطالبوا بالعودة إلى نظام المعدنين. كان هذا الجدل حول «المال السليم» مريراً بقدر أي نقاش حاد حول العملات المشفرة خلال عشاء عيد الشكر، حيث واجه أنصار الذهب، الذين اعتبروه المعيار النهائي للنزاهة، خصومهم الذين أرادوا تخفيض ديونهم إلى النصف عبر السداد بعملة الفضة الوفيرة. وكما زرعت جماعات الضغط المهتمة بالعملات المشفرة، ومؤيدوها من القاعدة الشعبية، بذورَ التحول الذي تبناه ترامب لصالح البيتكوين في حملته الانتخابية، أصبح نظام المعدنين قضيةً شعبية خلال حملة ماكينلي الانتخابية. ووفقاً للخبير الاقتصادي «روبرت شيلر»، كان أنصار الفضة بمثابة سلف لحركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماجا)، وذلك لأنهم دعموا «النزعة الأميركية المتحمسة»، وأيضاً لأنهم تعرضوا للتشهير من قبل المؤسسة الحاكمة. بعد خطاب مؤيد للفضة من خصمه «الديمقراطي»، وصل ماكينلي إلى السلطة واعداً بـ«السعي الجاد» لتبني نظام المعدنين عالمياً، وهي فكرة كانت تَعد بالقضاء على الظلم الاقتصادي، وكانت معقدة بدرجة كافية لتصبح «رائعة».
تشير أوجه الشبه مع اليوم إلى أن احتياطي ترامب، إذا تحقق، قد يخلق سردية ذات تداعيات هائلة. إذ أن مباركة الحكومة لشراء العملات الرقمية، على غرار شراء الولايات المتحدة للفضة عام 1890، قد تمنح السوق شرعية جديدة كبديل نقدي، سواء أكان مستقراً أم لا. ورغم أننا ما زلنا بعيدين عن إعلان العملات المشفرة عملةً قانونية، فإن وجود دعم حكومي في الأسواق الرقمية سيجعل العديد من الرموز تبدو استثمارات آمنة.
وهذا يعني المزيد من المخاطر، والمزيد من التقلبات، وربما المزيد من عدم المساواة إذا كانت تقلبات أسعار ترامبكوين أو ميمكوين ليبرا المرتبطة بخافيير ميلي هي المعيار. إن هذا النوع من فقاعات المضاربة المدعومة سياسياً، سيكون بمثابة اختبار هائل للدولار الأميركي، الذي قام ماكينلي بربطه بمعيار الذهب، إلى أن جاء خليفته البعيد ريتشارد نيكسون، الذي ألغى إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب، وأعاد تشكيل النظام المالي العالمي.
إن رسالة ترامب الضمنية بأن الناس يجب أن يبيعوا أصولَهم بالدولار الأميركي ويشتروا العملات المشفرة تُعد مجازفة كبيرة في وقت يواجه فيه الاقتصاد ضغوطاً بسبب التعريفات الجمركية القادمة، وما يسميه رجل الأعمال الأميركي «راي داليو» بـ«النوبة القلبية الوشيكة» الناتجة عن ارتفاع الديون. وسيكون هذا اختباراً لقانون جريشام، الذي ينص على أن «النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق». دعونا نأمل ألا يحدث ذلك، فقد يبدو أشبه بماضي المال أكثر من كونه مستقبله.
ليونيل لوران*
*كاتب متخصص في الشؤون المالية والأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»