يحتفل العالم في الخامس من مارس من كل عام باليوم الدولي للتوعية بمسائل نزع السلاح ومنع الانتشار، بهدف إذكاء الوعي العام وتعميق الفهم بقضايا نزع السلاح والمساهمة الحيوية لجهود نزع السلاح في تعزيز السلم والأمن، وتحظى هذه المناسبة بأهمية كبيرة بالنظر إلى حقيقة مفادها أن أسلحة التدمير الشامل، وبخاصة الأسلحة النووية، لا تزال مصدر قلق عميق بسبب قوتها التدميرية وما تمثله من تهديد جسيم على البشرية، وبالنظر كذلك إلى التراكم المتواصل للأسلحة التقليدية التي تمثل تحدياً كبيراً للأمن العالمي.

وفي الواقع، فإن نزع التسلح ومنع الانتشار كانا من الأولويات الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة منذ وقت طويل، وقد تطور اهتمامها بهذه القضية الحيوية ليشمل العديد من المحطات المهمة، ففي يناير 1998، أنشئ مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح باسم إدارة شؤون نزع السلاح - التي كانت جزءاً من برنامج الأمين العام للإصلاح - بتوصية من دورة الجمعية العامة الاستثنائية الثانية المكرسة لنزع السلاح، وفي عام 1992، غُيّر اسمه إلى «مركز شؤون نزع السلاح» وكان يتبع إدارة الشؤون السياسية، وفي أواخر عام 1997، أعيدت تسميته «إدارة شؤون نزع السلاح»، وفي عام 2007، سُميّ بـ «مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح».

وتمثل هذه المناسبة فرصة للحديث عن الجهود الكبيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة لنزع التسلح ومنع الانتشار، وأهم ما يجب التأكيد عليه في هذا السياق دعم الإمارات الكبير لكل الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مبادرة الأمم المتحدة لعقد مؤتمر بشأن إنشاء المنطقة الخالية في منطقتنا، وذلك ضمن رؤيتها الأوسع لضرورة إقامة عالم خال من الأسلحة النووية.

ومما لا شك فيه أن التركيز على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط يكتسب أهميته من حقيقة أن هذه المنطقة تعاني العديد من أسباب الصراع وتعيش حالة ممتدة من عدم الاستقرار منذ عقود طويلة. وثمة مجموعة من السمات الرئيسية التي تميز مساعي دولة الإمارات في مجال نزع التسلح ومنع الانتشار، يتمثل أولها في دعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى إقامة عالم خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، أما ثانيها، فيتمثل في التأكيد على أن السبيل الأنجح والأكثر فاعلية لتحقيق المزيد من التقدم في معالجة كافة الجوانب المتعلقة بمسائل نزع السلاح والأمن الدولي يتمثل في تكثيف العمل متعدد الأطراف.

أما السمة الثالثة، فتتمثل في التأكيد على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأمن والأمان النوويين، لتعزيز السلم والأمن الدوليين، وأن تتبع الدول نهجاً قائماً على الشفافية في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفقاً للمعاهدات الدولية، وأبرزها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتي تمثل الركيزة الأساسية في نظام نزع السلاح النووي، وأخيراً، فإنه وفي ضوء تزايد الهجمات السيبرانية، تؤكد دولة الإمارات على أهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني، لحماية الدول والشعوب من سوء استخدام الفضاء السيبراني، لاسيما الدول النامية التي تسعى لمواكبة تطورات العصر الحديث.وفي ظل الرؤية المتكاملة لدولة الإمارات بشأن نزع التسلح ومنع الانتشار، تؤكد سياستنا الخارجية أن الدعوات الدولية لنزع السلاح لم تعد خياراً سياسياً يمكن التعامل معه وفقاً لأولويات وطنية تحددها حكومات العالم المختلفة، وأن الصراعات الآخذة في التفاقم في العديد من مناطق العالم المختلفة، جعلت الاتجاه نحو نزع السلاح والحد من التسلح ومنع الانتشار مطالب رئيسية لضمان تحقيق الأمن الدولي.

ولعله من المهم التأكيد في النهاية على أن جهود دولة الإمارات في مجال نزع التسلح ومنع الانتشار تعكس رؤيتها للأهمية القصوى لتحقيق السلام كركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وهذا الهدف يتطلب بالضرورة إيجاد حلول مستدامة لإنهاء الصراعات بشكل جذري من خلال المعالجة الشاملة للأسباب الكامنة وراءها، ووضع قواعد جديدة لتنظيم التفاعلات الإقليمية والدولية على نحو يحقق مصالح جميع الدول والشعوب، وهو ما يعزز فرص التنمية ويحول دون انفجار الصراعات مرة أخرى.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.